زمن ما بعد 25 يناير

زمن ما بعد 25 يناير

25 يناير 2015
الغموض يسيطر على ما بعد الثورة (أحمد تارانا/فرانس برس)
+ الخط -
لكل حدث مفصلي في التاريخ، مسار زمني انطلق منه، تماماً كما حصل مع الثورة المصرية، التي وُلدت في 25 يناير/ كانون الثاني 2011. صادف ذلك اليوم عيد الشرطة المصرية، الذي اختاره الشباب المصري من أجل الدعوة للتظاهر ضد فساد نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك واستبداد الأجهزة الأمنية، التي قتلت الشاب سيد بلال، بدعوى ضلوعه بتفجير كنيسة القديسين بالاسكندرية في بداية العام. كما كانت قد قتلت قبله خالد سعيد، شهيد الطوارئ، بعد اعتداء عدد من رجال الأمن عليه بالضرب، واتهامه بحيازة المخدرات. في الثورة رُفع شعار "عيش حرية عدالة اجتماعية".

بعد تجمّع الشباب، قامت قوات الشرطة بالهجوم ليلاً على المحتجين، الذين عادوا وتجمّعوا بميدان التحرير في القاهرة، وأطلقت عليهم وابلاً من قنابل الغاز المسيّل للدموع، حتى تمكنت من تفريق الجموع الغاضبة وابعادها عن الميدان. أدّى ذلك إلى ارتفاع وتيرة الغضب الشعبي، وبوشر الاستعداد لـ"جمعة الغضب"، في 28 يناير.

وفي الليلة السابقة لـ"جمعة الغضب"، قطعت السلطات المصرية خطوط الاتصالات والانترنت، وانتشرت قوات وزارة الداخلية في الشوارع، خصوصاً في القاهرة والاسكندرية والسويس. كما شنّت حملة اعتقالات واسعة لقادة جماعة "الاخوان المسلمين". لم تمنع الاجراءات الأمنية، الشعب من التحرّك. فبعد صلاة الجمعة، خرج عشرات الآلاف من المصريين في المدن المختلفة، في مسيرات تطالب باسقاط النظام المصري ورحيل مبارك.

بدأت المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن، التي بادرت إلى اطلاق الرصاص وقنابل الغاز المسيّل للدموع، من أجل تفريق المسيرات، وسقط عشرات القتلى ومئات الجرحى. وتعرّضت مراكز وأقسام الشرطة، في قسم الأربعين في مدينة السويس لاعتداءات، كما أُحرقت معظم الأقسام في مدينتي القاهرة والاسكندرية، ما اضطر الشرطة إلى الانسحاب نهائياً من الشوارع، نتيجة ازدياد المواجهات. كما أحرق المحتجون المقرّ الرئيسي لـ"الحزب الوطني" (حزب مبارك) في ميدان عبد المنعم رياض في القاهرة.

دفع اشتداد المواجهات إلى نزول الجيش إلى الشوارع لضبط الحالة الأمنية، وأعلن بعدها الحاكم العسكري حظر التجوال في البلاد. لم يُرهب ذلك آلاف المصريين، الذين نزلوا إلى الشوارع، وأعلنوا بدء اعتصام مفتوح في ميدان التحرير حتى رحيل مبارك. ووقعت حوادث دهس عدة للمحتجين، من سيارة تحمل لوحات معدنية لهيئة دبلوماسية، وأخرى قيل إنها كانت تابعة للسفارة الأميركية، ويُشتبه بأنها دهست نحو 20 مواطناً.

وفي 2 فبراير/شباط، كرّست الثورة قوتها في "موقعة الجمل"، الاسم الذي أطلقه المتظاهرون على الأحداث التي شهدها ميدان التحرير في ذلك اليوم. فقد فوجئ المعتصمون بهجوم البلطجية عليهم من ناحية ميدان عبد المنعم رياض بالأسلحة والخيول والجمال، محاولين اقتحام الميدان وفض الاعتصام، ونشبت مواجهات عنيفة، دافع فيها المعتصمون العزّل عن الميدان بالحجارة، فيما اعتدى البلطجية عليهم بالأسلحة البيضاء، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المتظاهرين.

واتهم أعضاء من الحزب الوطني، وبعض من الشخصيات من رموز نظام مبارك بالوقوف وراء "موقعة الجمل"، من بينهم رئيس مجلس الشعب فتحي سرور، ورئيس مجلس الشورى صفوت الشريف، وخرج رئيس الوزراء أحمد شفيق حينها في مؤتمر صحفي، ينفي علمه بما جرى من أحداث داخل الميدان.

سرّعت "موقعة الجمل" من وتيرة الأحداث، التي بلغت قمّتها مع اعلان مبارك مساء 10 فبراير، استمراره في الحكم، تحت عنوان "سأبقى وأموت على أرض مصر"، وهو ما أثار غضب المحتجين بالميدان وقاموا بالرد على حديثه برفع الأحذية عالياً وأصرّوا على رحيله.

حفّزت نية مبارك في البقاء في السلطة، الشعب، الذي تداعى في 11 فبراير/شباط، إلى "جمعة الغضب"، مع تنظيم مسيرات إلى قصور الرئاسة، تحديداً قصر القبة في القاهرة والقصر الرئاسي في رأس التين بالاسكندرية. قطف المتظاهرون ثمار جهودهم، مع اعلان نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان، عن تنازل مبارك عن الرئاسة، وتسليم السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.

بعد يومين من تسلّمه السلطة، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الاعلان الدستوري الأول، وأعلن فيه التزامه بعدم الاستمرار في الحكم، وتعهّده بتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة في غضون ستة أشهر أو حتى اجراء انتخابات البرلمان والرئاسة. كما عطّل "الاعلان"، عمل مجلسي الشعب والشورى المنتخبين في عام 2010 وعُلّق العمل بدستور عام 1971.

ووقع العسكر في الفخ الأول، حين أقدم عدد من ضباط الجيش، على اجراء "كشوف العذرية" على عدد من الناشطات، اللاتي أُلقي القبض عليهن خلال اعتصام في ميدان التحرير. اقتيدت الناشطات، مع عدد من المعتصمين، إلى المنطقة العسكرية "س 28"، وذلك في 9 مارس/آذار. وكشفت إحدى المعتقلات، سميرة ابراهيم، الأمر، بعد رفعها دعوى انتهاك ضد المجلس العسكري فيما عرف بقضية "كشوف العذرية".

وبدأ المسار الدستوري يتخذ طريق التعديل، بعد تنظيم أول استفتاء في مصر بعد الثورة، في 19 مارس. وأدخلت التعديلات على المادة 75 الخاصة بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية، والمادة 76 الخاصة بأسلوب الترشح لرئاسة الجمهورية، والمادة 77 الخاصة بفترة ولاية الرئيس والتجديد، والمادة 88 الخاصة بالاشراف على الانتخابات التشريعية، والمادة 93 الخاصة بالفصل في صحة عضوية نواب مجلس الشعب، والمادة 139 الخاصة بتعيين نائب لرئيس الجمهورية، والمادة 148 الخاصة بإعلان حالة الطوارئ، والغاء المادة 179 الخاصة بـ"مكافحة الارهاب"، واضافة فقرة أخيرة للمادة 189 الخاصة بأحكام عامة وانتقالية، واضافة مادتين. وصوّت 77.2 في المائة من المستفتين بـ"نعم" على التعديلات، في مقابل معارضة 22.8 في المائة.

ولتأكيد المسار الثوروي، أصدر النائب العام أمراً بحبس مبارك ونجليه علاء وجمال، 15 يوماً على ذمة التحقيقات، في اتهامات تتعلق بالتربح واستغلال النفوذ واصدار أوامر بقتل المتظاهرين أثناء الثورة. وذلك في 13 أبريل/نيسان.

وفي أول صدام من نوعه بعد الثورة، خرج آلاف المسيحيين، في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2011 في مسيرة من دوران شبرا حتى مبنى الاذاعة والتلفزيون ماسبيرو، احتجاجاً على احراق الكنائس والاعتداءات المتكررة على الأقباط. ونشبت اشتباكات بين قوات الجيش التي تحيط بمبنى التلفزيون والمتظاهرين، وزادت الأمر سوءاً مطالبة اعلاميين بالتلفزيون المصري، المواطنين للخروج والدفاع عن الجيش، ضد ما سموه "اعتداءات المسيحيين". وأسفرت المواجهات الدامية عن مقتل 24 متظاهراً، واصابة العشرات جراء اطلاق قوات الجيش النار عليهم، كما قام عدد من الجنود بدهس المتظاهرين بالدبابات.

بعدها اندلعت أحداث محمد حمود في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد قيام قوات الشرطة وأفراد الأمن المركزي بالاعتداء على المعتصمين في ميدان التحرير، الذين طالبوا بنقل السلطة من المجلس العسكري إلى حكومة مدنية منتخبة سريعاً. وبدأت القوات الأمنية في اخلاء وحرق الخيم، لتستمرّ المواجهات حتى يوم الجمعة 25 نوفمبر. قُتل في الاشتباكات 41 شخصاً وأُصيب المئات، بعضهم اصابات بالعين، نتيجة اطلاق رصاص الخرطوش من قنّاصة عليهم.

استمر اعتصام بعض المتظاهرين أولاً في ميدان التحرير، ثم انتقل إلى أمام مقر مجلس الوزراء المصري احتجاجاً على تعيين كمال الجنزوري رئيساً للوزراء. فاندلعت الاشتباكات مجدداً في 16 ديسمبر/كانون الأول، بين الجيش والمتظاهرين، فقُتل ثلاثة أشخاص، من بينهم الشيخ عماد عفت، أمين الفتوى بدار الافتاء المصرية، وأُصيب العشرات بالرصاص. كما شهدت تلك الأحداث قيام جنود بالجيش، بسحل إحدى المتظاهرات في الميدان وتعريتها أمام الناس ومن ثم ضربها بالأحذية.

شهد العام 2012، مجزرة رهيبة في بورسعيد. ففي الأول من فبراير، وفور انتهاء مباراة فريقي الأهلي و"المصري" في بورسعيد، اقتحمت جماهير النادي "المصري" مدرجات النادي الأهلي بالأسلحة البيضاء. فقُتل 77 شخصاً، وجُرح أكثر من 300 شخص، في غياب أي تدخل أمني من رجال الشرطة، الذين كانوا داخل استاد بورسعيد. وبعد ساعات من الاشتباكات، عاد النادي الأهلي وبعض من الجماهير بواسطة طائرتين عسكريتين أرسلهما المشير حسين طنطاوي، وأعلن اتحاد الكرة وقف الدوري لأجل غير مسمى.

وبعد فترة من الاضطراب أدى الرئيس محمد مرسي، اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا، ثم ألقى خطابه الأول أمام أعضاء مجلسي الشعب والشورى المنتخبين، بحضور طنطاوي، في جامعة القاهرة خلال حفل تنصيبه رئيساً للبلاد، في 30 يونيو/حزيران 2012.

وفي 22 نوفمبر/ تشرين الثاني، أصدر مرسي، اعلاناً دستورياً، نصّ على "منع حلّ الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، وتحصين قرارات رئيس الجمهورية، ومنع وقف تنفيذها أمام أي جهة قضائية". كما قضى الاعلان أيضاً باعادة محاكمة مبارك ورموز نظامه، بتهم "قتل الثوار وافساد الحياة السياسية".

أدّى اعلان مرسي، إلى وقوع اشتباكات بين أنصاره ومعارضين، في 5 ديسمبر/كانون الأول أمام قصر الاتحادية، بعد هجوم عدد من أنصار مرسي على النشطاء المعتصمين الرافضين للاعلان. وانتهت الأحداث باصابة العشرات ومقتل المصور الصحفي الحسيني أبو ضيف.

وبعد حوالي العامين على الثورة، أعلنت اللجنة العليا للانتخابات، نتيجة الاستفتاء على الدستور المصري الجديد، في 25 ديسمبر. ووافق 63.8 في المائة من المستفتين على الدستور، ليُصدر مرسي في اليوم التالي، قراراً جمهورياً، يقضي بتفعيل الدستور.

بدأ الوضع يتأزم في العام 2013، ودشّنت حملة "تمرّد" نشاطها في 26 أبريل/نيسان، حين انطلقت حملة توقيعات يقودها محمود بدر، وحسن شاهين، ومحمد عبد العزيز، لمطالبة الشعب المصري بالتمرّد على مرسي، وسحب الثقة منه. وأدى توتر الوضع إلى خروج الآلاف من أنصار "الاخوان" في 28 يونيو/حزيران، إلى ميدان رابعة العدوية، وقرروا الاعتصام في الميدان تحت عنوان "مليونية الشرعية"، دعماً لمرسي.

وسرعان ما ردّ المعارضون بتظاهرات مضادة في 30 يونيو، تطالب باجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ووسط تسارع الأمور، أعلن وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلّحة وقتها عبد الفتاح السيسي، في بيان له، عزل مرسي عن منصبه وتعطيل العمل بالدستور، وتعيين المستشار عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا، رئيساً للبلاد، واجراء انتخابات رئاسية مبكرة، في 3 يوليو/تموز 2013.

حاول أنصار مرسي احياء الاعتصامات للردّ على الاجراءات العسكرية، فاعتصموا في رابعة العدوية والنهضة، وسعت السلطات إلى فضّ الاعتصامين بالقوة. وقعت مذبحتان على يد قوات الشرطة المصرية وسط غطاء من قوات الجيش، كانت حصيلتهما مقتل ما يزيد عن ألف شخص واصابة واعتقال الآلاف من المعتصمين في الميدانين، فيما عرف بـ"أكبر مذبحة في تاريخ مصر الحديث"، في 14 أغسطس/آب. وأعلنت القوات المسلّحة بعد عملية الفضّ، حظر التجوال في البلاد. ومع محاولة متظاهرين الاحتجاج على ما جرى في رابعة العدوية والنهضة في رمسيس، في 16 أغسطس، فتحت قوات الشرطة والجيش النار عليهم، فقُتل عشرات المتظاهرين.

وجاءت أحداث العام 2014 هادئة، قياساً إلى السنوات السابقة. فوافق 98.1 في المائة من المستفتين المصريين، على ثاني دستور مصري بعد الثورة، في 18 يناير 2014، وفقاً لما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات. وبعدها أعلن السيسي، في 26 مارس ترشحه للانتخابات الرئاسية، التي فاز بها في 3 يونيو/حزيران. ولم ينتهِ العام الماضي بسلام، بعد اعلان محكمة جنايات القاهرة، براءة مبارك ونجليه علاء وجمال ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ومساعديه الستة ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، من كافة الاتهامات الموجهة إليهم بشأن قتل المتظاهرين، ابان أحداث ثورة يناير، والفساد المالي في صفقة تصدير الغاز لإسرائيل فيما عرفت بـ"محاكمة القرن"، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

تابعونا ثورات_تجدد

المساهمون