اختبار روح "يناير"

24 يناير 2015
+ الخط -
ما كان يمكن لثورة يناير أن تتلقى هدية أفضل في عيدها الرابع، وخصوصاً في ظل الاستعدادات لإحياء الذكرى وتصحيح المسار، الذي أريد له انحراف يعيد النظام السابق إلى سدة الحكم. ما كان يمكن للناقمين على الحال المصرية، اليوم، وما آلت إليه الأمور منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، وما تلا ذلك من تداعياتٍ، أعادت البلاد سنوات إلى الوراء، أن يترقبوا عنصر تجييش أفضل من الذي تقدمه المحاكم المصرية التي أمرت، قبل يومين، بإخلاء سبيل نجلي الرئيس المخلوع حسني مبارك، جمال وعلاء، بعدما كانت أصدرت حكمها ببراءة المخلوع نفسه من كل ما نسب إليه.
تضاف مثل هذه المحاكمات والقرارات إلى سلسلة من الإجراءات التي يقوم بها النظام الحالي، وتأتي لتختبر مدى قوة روح "ثورة يناير" في الشارع المصري، وما إذا كان هذا الشارع، بكليته، مستعدا لهبة شعبية جامعة، كالتي حصلت في يناير/كانون الثاني 2011، أو في يونيو/حزيران 2013، خصوصاً أن كل ما تشهده الأراضي المصرية كفيل بإطلاق ثورة جديدة، بغض النظر عن تراكمات النظام السابق، أو عودة رموزه، أو حتى ما خلفه الانقلاب العسكري من تهميش لجماعة سياسية أساسية في المشهد المصري، على مدى سنوات الثورة وما قبلها.
روح الثورة هي اليوم على المحك، واختبار مدى بقاء أثرها في نفوس الشباب الذين كانوا، في الأساس، وقود اشتعالها، قبل أن تلتحق في ركبها جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من التيارات السياسية، هو ما سيظهر في الذكرى الرابعة لها. بالتأكيد، ليس الاختبار سهلاً، وفرص نجاحه غير مضمونة، خصوصاً في ظل ما بات يعصف بالمحيط المصري من أحداث، وتحديداً في سورية وليبيا والعراق واليمن، قد تكون عائقاً أمام نزول المواطن العادي إلى الساحات والميادين، وتجعل صوته الداخلي يردد ما يقوله إعلام النظام جهاراً نهاراً: "أحسن من سورية والعراق"، وسيضيف إليها تلقائياً اليوم اليمن وليبيا.
لكن، يبقى أن مطلقي الثورة، بالأساس، لم يكونوا من المواطنين العاديين، أو "حزب الكنبة"، كما يطلق عليهم في مصر، بل هم من الشباب غير المؤطرين حزبياً، جمعهم التوجه الديمقراطي والتوق إلى التغيير. هؤلاء لا يزالون بعيدين عن ملوثات الإعلام النظامي، وتأثير تحليلاته على المزاج العام. هؤلاء يدركون أن لكل بلد ظروفه وتحولاته، وما يحدث في الدول المحيطة ليس نتاج الثورة، بقدر ما هو نتاج الركوب على الثورة ومحاولة توجيهها، وفق رغبات شخصية وحزبية، مع تدخلات عربية ودولية. هؤلاء، أيضاً، واعون إلى أن مزاج الشارع، بشكل عام، ليس مع تجديد الثورة في الوقت الراهن، لكنهم سبق أن عايشوا المزاج العام أيضاً في 25 يناير 2011، والذي لم يكن، أيضاً، ميالاً إلى ثورة تغيير عارمة، بقدر ما شارك في التظاهرات، لإيصال صوت الاعتراض والإصلاح، قبل أن تتدحرج التظاهرات إلى ما وصلت إليه في 11 فبراير/شباط، تاريخ تنحي حسني مبارك.
الرهان اليوم على هؤلاء الشباب أنفسهم، لإعادة بث الروح إلى ما بقي من آثار يناير، وإبعادها عن أي غايات سياسية، إسلامية أو ليبرالية، وإعادة الثورة إلى نقائها الأول، حين لم يكن الحكم هو الغاية، بل الخروج على كل ما شهدته البلاد من فساد وإفساد، وهو الفساد الذي يكرر نفسه، اليوم، وإن اختلفت الشخصيات والمسميات.
ذكرى 25 يناير الأحد، مع كل الهدايا المقدمة من النظام الحالي، ستكون اختباراً لبقاء الثورة، وما إذا كان الشباب المصري، من خلف الشعب، لا يزال تواقاً إلى التغيير، أو أنه استكان إلى الوضع الراهن، متأثراً بأحداث المحيط، رافعاً شعار "أحسن من ليبيا واليمن".
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".