زراعة سورية تبور..أسعار الوقود والأسمدة تشعل تكاليف المحاصيل

زراعة سورية تبور..أسعار الوقود والأسمدة تشعل تكاليف المحاصيل

21 فبراير 2015
سورية تتحول من تصدير المنتجات الزراعية إلى الاستيراد (getty)
+ الخط -
زادت الأسعار المشتعلة للأسمدة والوقود في سورية بمقتضى قرارات حكومية لنظام بشار الأسد، من ارتفاع تكاليف الزراعة قدرها خبراء ومزارعون لما يصل إلى نحو 50%، ما ينذر بخروج مساحات واسعة عن دائرة الإنتاج، بعد أن تسببت الحرب في هجرة معظم المزارعين من مناطق مختلفة من البلاد إلى خارجها.
تحولت سورية من الوفرة وتصدير المنتجات الزراعية، إلى الندرة والاستيراد، في ظل حرب نالت من قطاع يعمل فيه 80% من سكان الريف السوري، يمثلون نحو 46% من عدد سكان البلاد البالغ 22.8 مليون نسمة، وفقا لإحصاءات 2013.
وقررت حكومة الأسد مؤخرا، رفع أسعار المازوت أكثر من 100% خلال أربعة أشهر ليتم رفع سعر اللتر من 60 ليرة إلى 80 ليرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل أن يتم زيادتها مجددا منتصف يناير/كانون الثاني الماضي إلى 125 ليرة ( الدولار يعادل 189 ليرة)، كما تم رفع سعر البذور والأسمدة بأكثر من 150%.

محصول ضئيل

وقال المهندس الزراعي، يحيى تناري، من ريف إدلب شمالي سورية لـ "العربي الجديد"، إن زيادة تكاليف الإنتاج تسببت في عدم زراعة ريفي حلب وإدلب هذا العام بالشوندر السكري (البنجر السكري)، الذي يدخل في صناعة السكر، وكذلك القطن لتأثره بارتفاع أسعار الوقود والأسمدة؛ فضلا عن تعطل المحالج ومعامل النسيج التي أتت عليها الحرب.
وأضاف تناري "أتوقع ألا يزيد إنتاج سورية من القطن الموسم المقبل على 100 ألف طن، بعد أن وصل قبل بدء حرب النظام على الثورة في 2011 لنحو مليون طن، كما سيتراجع الشوندر السكري من 1.5 مليون طن إلى أقل من 300 ألف طن".

وأشار إلى أن رفع أسعار المحروقات وعدم توفرها وزيادة أسعار البذور والأسمدة، زاد تكاليف الإنتاج بأكثر من 50% وتراجعت نسبة الأراضي المزروعة في الريف المحرر إلى أقل من 15%، مما كانت عليه قبل الثورة، لافتا إلى أن هذه الأمور زادت من هجرة الفلاحين المرتفعة بالأساس نتيجة القصف المستمر لريفي إدلب وحلب، ما تسبب في مساحات كبيرة من الأراضي غير مزروعة.

عزوف عن الزراعة

وسبق أن قال رئيس مكتب الشؤون الزراعية بالاتحاد العام للفلاحين، علي حبيب عيسى، في تصريحات صحافية مؤخرا إن ارتفاع سعر المازوت انعكس سلباً على المزارعين والمنتجين، لأن الزيادة الأخيرة من 80 ليرة للتر إلى 125 ليرة، أدت إلى زيادة أجور كل العمليات الزراعية من حرث وتسوية وتشغيل مضخات الري وماكينات الحصاد والنقل وأجور العمالة.
وأشار المسؤول الحكومي إلى أن الارتفاعات المتوالية في أسعار المحروقات، من شأنها أن تؤدي إلى تراجع الإنتاج وعزوف قسم من المزارعين عن ممارسة النشاط.

اقرأ أيضا: "الانتحار" وسيلة السوريين للتخلّص من الفقر

وقال عبد الرحمن إبراهيم، الذي يعمل مزارعا في قرية الشيحة بريف حماة وسط سورية لـ "العربي الجديد"، إنه لم تعد الزراعة تأتي بتكاليفها بعد صعوبة تأمين البذور وارتفاع أسعار المازوت، فضلاً عن المخاطر واحتمال اجتياح جيش الأسد للمزارع وتهديم الإنتاج في أي لحظة.
وقدر خبراء سوريون ارتفاع أسعار المحاصيل الإستراتيجية، ومنها القمح والقطن، الشوندر السكري بين 30 و50% حسب كل محصول.

زيادة بالتكاليف

وأشار الخبراء إلى أن كلفة الهكتار الواحد (يعادل 10 آلاف متر مربع) من زراعة القمح سترتفع من 106 آلاف ليرة وفق حسابات سابقة لوزارة الزراعة إلى 150 ألف ليرة حاليا، بزيادة 44 ألف ليرة لكل هكتار، وهو ما يعادل زيادة بنسبة 41.5% في الكلفة.
وفي محصول الشوندر يتوقع أن تزداد الكلفة للإنتاج من الكيلوغرام الواحد من 7.5 ليرات، كما كانت قبل زيادة أسعار المحروقات إلى 10 ليرات حالياً، لتزداد بنسبة 33.3%.

أما محصول القطن، الذي يعتبر محصولاً صيفياً وشرهاً للماء ويحتاج إلى عدد أكبر من السقايات المائية، التي يعتمد تنفيذها على المحروقات، فمن المتوقع أن تبلغ نسبة زيادة الكلفة إلى نحو 47.7%، حيث ستتحرك كلفة الكيلوغرام من 88 ليرة كما كانت تقدرها الزراعة إلى نحو 130 ليرة.
ولا تقتصر الزيادة في تكاليف الإنتاج على عمليات الزراعة التقليدية، وإنما تمتد إلى الزراعات المحمية، حيث تبلغ حاجة البيت البلاستيكي إلى نحو 1500 لتر من المحروقات في الموسم حسب تقديرات وزارة الزراعة، وأن متوسط إنتاج البيت سنوياً نحو 7 أطنان من الخيار ونحو 6 أطنان من البندورة (الطماطم)، حيث من المتوقع أن ترتفع كلفة إنتاج الخيار بنحو %43 والبندورة 30%.

هروب رؤوس الأموال

وأدى غلاء مستلزمات الإنتاج الزراعي، مشفوعاً بمخاطر الحرب إلى هروب رؤوس الأموال والمستثمرين من سورية، حيث سجلت الاستثمارات الزراعية تراجعاً حادا في عدد المشاريع الزراعية، ولم يتم تسجيل أي مشروع لدى هيئة الاستثمار العام الماضي.
وحسب بيانات وزارة الزراعة، فإن إجمالي المشاريع الزراعية خلال الخمسة أعوام الأخيرة بلغ 123 مشروعاً، منها 10 مشاريع في عام 2008، و30 مشروعاً في عام 2009، في حين وصل عدد المشاريع في 2010 إلى 48 مشروعاً، ليبلغ حجم الاستثمار الزراعي ذروته في ذلك العام ، ثم تراجع إلى 25 مشروعاً في 2011، و10 مشاريع في 2012، بينما لم يسجل عاما 2013 و2014 أي مشروع.
وانعكس تراجع المشروعات الزراعية والارتفاع المتواصل في أسعار الوقود والأسمدة والبذور التي تشهد بالأساس عدم وفرة على حجم المعرض السلعي في الأسواق ومعدلات الأسعار، التي تضاعفت أكثر من 10 أضعاف منذ عام 2011 مع شبه ثبات لمستوى الرواتب والأجور، فضلا عن تآكل قيمة صرف الليرة التي هوت من 49 ليرة مقابل الدولار إلى نحو 189 ليرة بالسوق السوداء.
ويقول خبير الاقتصاد، الدكتور عماد الدين المصبح، إن زيادة الأسعار تأتي نتيجة الحصار الاقتصادي وتخبط القرارات الحكومية، فضلاً عن انسحاب حكومة الأسد من سياسة الدعم والنهج الاجتماعي ورفعها أسعار الخبز والأرز والمشتقات النفطية لتؤمن عائدات لتمويل الحرب.
وأضاف المصبح في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن القطاع الزراعي تأثر بشكل كبير نتيجة رفع أسعار مستلزمات الإنتاج واستهداف المناطق الخصبة والمنتجة للمحاصيل من نظام بشار الأسد، وخروج "خزان سورية" وهي مدن شمال شرق التي تشمل الحسكة والرقة ودير الزور عن الإنتاج إثر الحرب، ما أثر على الإنتاج ورفع الأسعار إلى مستوى لا يستطيعه سوريو الداخل، فضلاً عن الحصار ما أدى إلى نقص حاد في الغذاء ومجاعات في بعض المناطق بالبلاد.

اقرأ أيضا: عين العرب: المدينة المنسيّة إنسانياً
اقرأ أيضا: الأسد يموّل " تنظيم الدولة"
اقرأ أيضا: الأسعار في دوما السوريّة الأغلى عالمياً

المساهمون