ريتشارد ميرفي: لبنان وسورية والولايات المتحدة 2/2

ريتشارد ميرفي: لبنان وسورية والولايات المتحدة 2/2

أنس أزرق

avata
أنس أزرق
16 سبتمبر 2014
+ الخط -

أمضى ريتشارد ميرفي فترة سفارته بالرياض 1981-1983 مهتما بموضوعين: علاقات بلاده مع المملكة والوضع في لبنان وكان يمضي وقتا طويلا في بيروت. "كان السعوديون يشعرون بقلق حقيقي تجاه لبنان". وهناك تعرف  على رفيق الحريري – الذي لم يكن قد عمل في السياسة بعد.
عن موريتانيا يتذكر أنه أعاد فتح السفارة 1971: "كنت مع أسرتي لمدة ثلاث سنوات، وكانت فترة صعبة للغاية  فقد كانت موريتانيا تشهد أسوأ حالات الجفاف في التاريخ. حاولنا تقديم المساعدة بإرسال شحنات من الحبوب. وقد تداخلت السياسة والمساعدات الاقتصادية عام 1973. كنت على متن طائرة عسكرية أميركية، إذ أردت  توصيل الحبوب إلى المناطق الشرقية ووردتني رسالة على لاسلكي الطائرة وطُلب مني زيارة الرئيس المختار ولد داداه بمجرد هبوط الطائرة. قال الرئيس "دعني أقول إننا نقدر المساعدات التي تقدمها بلادك الآن، ولكن إذا ثبتت مشاركة أميركا في الحرب – التي كانت قائمة آنذاك – سأقطع العلاقات كما فعلت عام 1967. فقلت "يا إلهي، لقد عدنا إلى بداية الدورة مرة أخرى!"
يختم الرجل حواره معنا "كنت سأموت منذ فترة طويلة إذا لم أكن متفائلاً بشأن علاقاتنا. لقد مررنا بأوقات صعبة، واتهمنا العرب بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. لا أقول إننا أبرياء، ولكننا أكثر براءة مما يظنون.
هنا نص الجزء الثاني من حوار العربي الجديد مع ميرفي والذي يتركز حول لبنان واتفاقه الشهير1988 مع الرئيس السوري حافظ الاسد المعروف"الضاهر أو الفوضى":
* ماذا عن الضاهر أو الفوضى؟
لن أنسى ذلك أبداً. ولا أعتقد أن اللبنانيين سيسمحون لي بنسيان هذه القصة. كانت حكومتي قلقة للغاية إزاء تفكك الحكومة اللبنانية. لم يشهد البرلمان أي انتخابات لسنوات عدة، فقد ظلت تؤجل باستمرار لأنهم لم يكونوا مستعدين لعقدها بسبب الأحداث. وكانت الرئاسة اللبنانية هي المؤسسة الوحيدة التي لا تزال فعالة، وكان من المفترض أن تنتهي فترة حكم الرئيس أمين الجميّل في سبتمبر/أيلول عام 1988. لذا كنا نشجع جميع الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق من الجانب اللبناني حتى يُتاح انتخاب رئيس جديد في سبتمبر/أيلول. كان هناك نحو 15 مرشحاً مارونياً من المعروف أنهم مهتمون برئاسة لبنان. قام العديد منهم بزيارة دمشق لإقناعها بأنهم أفضل المرشحين. أقمنا الكثير من النقاشات مع السوريين حول سبب اعتقادنا بأهمية الانتخابات. لم تكن دمشق تشاركنا الشعور نفسه بأن الانتخابات مُلحّة. واتخذ القرار أخيراً: إذا لزم عقد انتخابات، فليكن هناك مرشح واحد. والاسم الذي برز كان اسم ميخائيل الضاهر. لم أكن قد قابلت الضاهر من قبل، ولم يكن هو المرشح الأميركي، بل كان اسماً اختاره السوريون لسبب لا أعلمه.
* لكنك من اطلقت عبارة "الضاهر أو الفوضى"؟
أعتقد أنني في مرحلة ما قلت "هل تقصد أن ليس لديهم الخيار؟" وكانت الإجابة "إذا كان لديهم الخيار، سيختارون الفوضى". لا أعتقد أنني رددت ذلك في بيروت، ولكنها قيلت. ومن ثم ظهرت عبارة "مخائيل الضاهر أو الفوضى". ولكن كان واضحاً أن من المرفوض قطعياً من ناحية اللبنانيين أن يقال لهم إن هذا هو المرشح الوحيد. وقد رُفض بحسم هذا التوجيه من دمشق، واستمر سفك الدماء لمدة سنتين حتى توصلوا في النهاية إلى اتفاقية الطائف.
* هل تطرقتم إلى أحداث حماة عام 1982 أثناء لقاءاتكم مع الأسد، وهل نقلتم له موقفاً أميركياً من هذه الأحداث؟
كانت السفارة مغلقة في ذلك الوقت. في جميع اجتماعاتي مع الأسد أعتقد أنه ذكر حماة مرة واحدة، وكان ذلك في سياق لم أفهمه صراحة، ولم أكن أعلم ما يشير إليه. ولكنه قال: "اضطررنا للقيام بشيء ما بسبب الفظائع التي كانت تحدث، فقد كانوا يعدمون الفتيات ويفتحون رؤوسهن ويخرجون أدمغتهن ويعلقونها على جدران حماة". كانت هذه هي المرة الوحيدة التي أسمعه يذكر فيها أي شيء عن حماة.
* يرى كثيرون انكم لم تقبلوا بالوجود السوري في لبنان بل عهدتم في ما بعد إلى دمشق رعاية الشأن اللبناني. هل توافق هذا الرأي؟
لا، لقد سمعت هذا التفسير بأننا "سلمنا لبنان إلى سورية" ولكننا لم نفعل ذلك. بل تجاوز السوريون فترة بقائهم في لبنان. لا شك في أنهم ساهموا إيجاباً في أواخر السبعينيات، وبدأ الوضع يهدأ بالفعل، ولكنه لم ينته، واستمرت الحرب الأهلية حتى عام 1989 أو 1990. لقد ساهموا بالفعل، ولكنهم استقروا وارتاحوا إلى البقاء هناك، واستقر ممثلهم في مكتبه بوادي البقاع، حيث كان السياسيون اللبنانيون يتشاورون معه بشأن القرارات التي تؤثر على الحكومة اللبنانية. لقد تضمنت دراستي للعربية المثل القائل "في شيء وراء الستار"، ودائماً كانت هناك مؤامرة لتفسير أي وضع. وهكذا أصبحت المعادلة واضحة: ها هو لبنان، نرجو من سورية أن تأخذ لبنان وتبقى في سلام مع إسرائيل. هذا ليس صحيحاً.
* كان هناك لقاءات عدة مع الأسد حول الرهائن الغربيين، ولا سيما الأميركيين في بيروت وكنتم دائما تشكرون سورية على دورها بهذا الإطار. هل كنتم تعرفون من الذي يقوم بالخطف؟
سارت الأمور ببطء شديد، وكانت هناك جهود لاستعادة الرهائن، خمسة أو ستة منهم في المجموعة. وإذا دققت في تكوين هذه المجموعة، سترى أنها تكونت من صحافي وقس بروتستانتي وعميد كلية في الجامعة الأميركية. لم يكن الرهائن أميركيي الجنسية فحسب، بل كانوا أيضاً من مختلف التوجهات في أميركا. كانت الرسالة تفيد بأن على أميركا أن تخرج. في تلك الفترة، لم يكن حزب الله قد أصبح تنظيماً رسمياً بعد، أعتقد أن ذلك كان عند اختطاف مجموعة الرهائن الأولى. ولكن كان من المفترض أن الأفراد الذين أصبحوا يعرفون لاحقاً باسم قيادة حزب الله، وراء الاختطاف. بدا أن هناك تنظيماً واحداً يتحكم في الرهائن ويعود له قرار إطلاق سراحهم. ظل أحد الرهائن مُختَطَفاً لمدة خمس سنوات. كانت فترة مضطربة ووحشية في لبنان، مثلما نرى الهمجية والوحشية اليوم في سورية. فقد أظهر اللبنانيون قدراً من الوحشية، إذ كانوا يقومون بعمليات اختطاف من أجل الفدية أو لأسباب سياسية وعمليات قتل عشوائي، ولكنهم لم يصلوا إلى حجم الأزمة السورية اليوم، غير أن الوضع اللبناني كان دموياً بشعاً واستمر لمدة 15 سنة.
* هل كنتم ترون أن دمشق كانت تسهم بشكل أو بآخر بالخطف ثم الإفراج؟ هل كان السوريون يتلاعبون بكم؟

لا أعتقد ذلك؛ لا أعتقد أن السوريين لعبوا دوراً في اختطاف الرهائن. بل إنهم في بعض الحالات لعبوا دوراً في إطلاق سراحهم. وقد كانوا على تواصل مع طهران، فقد كان ذلك مهماً في ما يتعلق بهذا الشأن. أما نحن فلم نكن على أي تواصل مع الإيرانيين، فقد كنا شياطين العالم. لم تمر على التاريخ الإنساني أي قوة بنفس شر الولايات المتحدة. أعتقد – حمداً لله – أن هذا الانطباع أخذ يقل في السنوات الأخيرة الماضية. ولكننا لم نكن على تواصل، وكان السوريون هم الذين لديهم قنوات اتصال.
* هل قابلت الأسد الابن؟
نعم، قابلته، ولكننا لم نتفاوض على أي شيء قط. اتصلت به ثلاث مرات تقريباً، في مناسبات مختلفة بعد وفاة والده. لا أعرفه بنفس قدر معرفتي بوالده.
* لكنكم اجتمعتم مع وفود سورية بحزيران الماضي، وبعضها محسوب على السلطة. هل تفكرون بإطلاق مسار تفاوضي مواز؟
أظن أنك تشير إلى الاجتماع الذي عقدته أنا واثنان من زملائي في بيروت مع سوريين من مختلف الاتجاهات لمناقشة وضعهم. وعلى حد علمي لم يكن هؤلاء مسؤولين سوريين أو جماعات تحت رعاية رسمية، ولكنها كانت المرة الأولى التي أقابل فيها الكثير منهم. إن الوضع مأسوي ولا توجد كلمة أخرى للتعبير عن ذلك. فهناك دمار مادي وفقدان للأرواح، مما أدى إلى حدوث أشد أزمات اللاجئين في العالم، ليس في هذا القرن فحسب، بل أيضاً في القرن الماضي. أعتقد أن أزمة رواندا هي الوحيدة التي تجاوزت الأزمة الحالية في أعداد النازحين عن منازلهم وبلادهم. لا، لم يكن هذا اجتماعاً نظمته الحكومة الأميركية. لقد أمضيت حياتي المهنية بأكملها أعمل في وزارة الخارجية الأميركية، وكذلك زميلي الآخر الذي حضر الاجتماعات. ولكننا قمنا بذلك وحدنا، ولم نحصل على أي مباركة أو توجيه من واشنطن. كانت هذه مبادرتنا بالكامل. وحسبما أذكر، كان من يشجعوننا يقولون "ألم تسمعوا في أميركا وجهات نظر الآخرين من منتقدي النظام؟". كانت هناك معاناة كبيرة والكثير من سفك الدماء. نود أن نشجع فتح المجال كلما أمكن أمام وضع حد لهذا القتال وبدء محادثات من شأنها أن تؤدي إلى قيام نظام سياسي أكثر استقراراً في البلاد". عقدنا اجتماعين مع جماعتين مختلفتين. لا توجد خطة للمتابعة مع هاتين الجماعتين أو غيرهما حالياً. كان الهدف هو التعرف على مواقف الناس من مختلف مناحي الحياة في سورية. ليس فقط من النظام أو المقاتلين أو الجيش أو الثوار، بل من أجل توسيع معرفتنا بالوضع ومن ثم التفكير في كيفية المساهمة. دعني أقدم لك وجهة نظري الشخصية عن كيفية تطور الأزمة في سورية. كنا على ما أعتقد في مارس 2011 عندما قامت مجموعة صغيرة من المراهقين في درعا بكتابة الغرافيتي على الجدران، مرددين بعض الشعارات التي كانوا يسمعونها في التلفزيون لما كان يحدث في القاهرة وتونس من قبلها. وكان النظام في دمشق مستاءً من هذا التعبير ومظهراً عدم الرضا به. فقاموا بإلقاء القبض على الشباب، وحسبما فهمت عاملوهم معاملة قاسية جداً قبل إعادتهم إلى أسرهم. وهنا بدأت المشاكل، من هذا الاحتجاج الصغير على النظام ومطالبته بالتغيير أو الرحيل أو ما إلى ذلك. ثم بدأت التظاهرات تتكرر سلمياً في حمص، أعتقد أنها كانت المحطة التالية. وما بدأ كتظاهرات سلمية لمحاولة عرض المشاكل على الحكومة أصبح أكثر نشاطاً واندلع العنف. هل قمنا، نحن الأميركيين – الحكومة أو المنظمات الخاصة أو الأفراد – بتحفيز ذلك؟ لا، إطلاقاً. فقد بدأ ذلك كرد فعل على ما كان السوريون يسمعون عنه من اضطرابات في بقية العالم العربي.

دلالات

ذات صلة

الصورة
عاشت حلب 1980 اقسى ايام حياتها.

سياسة

يتابع النقابي والسجين السياسي السوري غسان النجار رواية فصول من قتل المجتمع في سورية، حيث يكشف أنه وزملاؤه لم يحاكموا طلية السنوات التي قضاها في السجن.
الصورة
غسان النجار أمين سر نقابة المهندسين في حلب 1980 متحدثا للعربي الجديد (العربي الجديد)

سياسة

واجه نظام الرئيس حافظ الاسد عام 1980 انتفاضة شعبية في مدينة حلب سبقها صراع مسلح مع الطليعة المقاتلة واستغل النظام هذا الصراع للقضاء على اخر صوت للحرية في البلاد
الصورة
بهجت سليمان

سياسة

أعلنت وكالة أنباء النظام السوري "سانا"، اليوم الخميس، وفاة اللواء بهجت سليمان سفير النظام السوري السابق في الأردن، وأحد أبرز قياداته الأمنية السابقة.
الصورة
كتاب عدنان أبو عودة

سياسة

يصدر قريبا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات "يوميات عدنان أبو عودة.. 1970- 1988". ويشتمل على مقابلة مع صاحبه، عن دراسته، بيئته العائلية، انتماءاته الحزبية، عمله في الخليج، التحاقه بجهاز المخابرات العامة، علاقته بالملك حسين، وتفصيلات عن مسؤوليات تولاها.