روسيا والعرب مجدداً

روسيا والعرب مجدداً

06 ابريل 2015
+ الخط -

تحاول الدبلوماسية الروسية، دائماً، في سياستها الخارجية، الحفاظ على علاقات مع كل الأطراف السياسية المتباينة والمختلفة، وفق تطور موازين القوى السياسية في كل دولة. ولا يُمثّل اليمن، هنا، استثناء لهذه السياسة. وبناء على ذلك، يمكن القول إن روسيا لم تقطع صلاتها بالحوثيين، على الرغم من تأكيدها شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، كما أن الخارجية الروسية أكدت، أخيراً، أن لدى موسكو علاقات مع جميع أطراف النزاع اليمني، وأن ثمة مطالبات لها بالعمل على المساهمة في تسوية الصراع في اليمن. لكن، بعد جلسة مجلس الأمن في 4 أبريل/نيسان الحالي، من أجل اليمن، بات واضحاً الموقف أن الروسي كان يناور، وليس محايداً، ولا يمكنه أن يكون وسيطاً بين الأطراف المتحاربة. ولم يكن متوقعاً من الدبلوماسية الروسية، وحتى للحظة الأخيرة من الجلسة، تمرير أي مشروع، يقضي بحل النزاع في اليمن، ضمن مشروع الفصل السابع، والذي يجيز لمجلس التعاون الخليجي استخدامه في ظل قيادته العملية العسكرية ضد الحوثيين وأنصارهم.
يدخل الروس، من جديد، حلبة صراع مع العرب. وللمرة الثانية، يصطدم التوجه الروسي بالموقف العربي. المرة الأولى سورية، حيث استخدم الروس الفيتو أربع مرات، من أجل تعطيل كل المشاريع التي كانت تعمل من أجل إنقاد سورية وشعبها من القتل والبطش والتدمير المدعوم بالسلاح الروسي، وآلة الحرب الروسية، والمغطاة بالحماية الدبلوماسية. رفع الروس الفيتو، آنذاك، في وجه العرب الذين دعموا الشعب السوري، ورفضوا الظلم الذي يعانيه، فما كان من الروس سوى رفع البطاقة الحمراء لحماسة النظام التي لا تزال تحميه، وتعطل كل المشاريع، بما فيها المشاريع الإنسانية التي تشمل إدخال "المأكل والملابس والأدوية، وما شابه ذلك".
تذهب روسيا بعيدة في حربها ضد العرب، وضد مجلس التعاون الخليجي، وشن هجومها الشرس على التحالف العربي، وقائدة الحملة، العربية السعودية، وتطلب في مجلس الأمن بالإسراع بوقف الحرب التي تشن ضد الشعب اليمني الأعزل، من دون ذكر العودة إلى المفاوضات السياسية للأطراف المتصارعة. تنادي روسيا بوقف الحرب، لأسباب إنسانية، في وقت كانت تطرح نفسها وسيطاً لحل الأزمة بين الأطراف المتحاربة، منذ اندلاع الأزمة وإعلان "عاصفة الحزم".
ترى روسيا عاصفة العزم ضغطاً على إيران، وإضعافاً لموقفها في المفاوضات الجارية بينها وبين الولايات المتحدة. وترى أن الدعم الأميركي للعملية هو لتحقيق مصالح أميركية خالصة، ويفتح الباب أمام تصفية الحسابات القديمة بين الولايات المتحدة وإيران، وكسر شوكة طهران. فإن ضرب الحوثيين هو إضعاف للحليف الإيراني. 
فشلت المناورة الروسية التي كانت تحاول لعبها، لأن الدول العربية أصبحت على يقين بالدور الذي تمارسه روسيا ضد المنطقة العربية، المتحالفة مع المحور الشيعي، والذي يؤمن لها موطئ قدم في مناطق النفط في "الهلال الشيعي" والمياه الدافئة، لأن الاستراتيجية الروسية تقوم على تفضيل المصالح المالية والاقتصادية على كل شيء.
اللافت أن وسائل الإعلام الروسية، المكتوبة خصوصاً، تتباين فيها المواقف حول الوضع في اليمن، فنلاحظ فريقاً من الكتاب الروس يعتبر ما يجري، اليوم، فرصة لموسكو، لتنتقم من السعودية، التي، بحسب رأيهم، شاركت في انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، عبر أسعار النفط، والتي تقوم بالدور نفسه، اليوم، تجاه روسيا أيضاً. ويدعو هذا الفريق إلى ضرورة دعم روسيا الحوثيين، ما يُطيل الحرب، ويؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط. ويتكهن هؤلاء، أيضاً، بعواقب وخيمة على المملكة، وصولاً إلى تفكيكها. وثمة فريق آخر، يرى أنه لا مصلحة لروسيا في احتلال اليمن وتفكيكه، ولا في الإضرار بالسعودية، على اعتبار أن ذلك ستكون له آثار وخيمة على الشرق الأوسط القريب جغرافياً من روسيا.
موسكو تذهب إلى مقر جامعة الدول العربية، وتعرض نفسها وسيطاً لحل أزمة اليمن، ولا توجد معها مبادرة للحل، وهي متورطة بدعم الأسد في سورية وحمايته في المحافل الدولية، وتأمين كل ما يلزمه من آلة البطش والقتل، وينظم لقاءات سرية في موسكو مع الحوثيين، ويمدهم بالسلاح، ويبقي على سفارته في صنعاء، في وقت لبّت فيه كل السفارات نداء الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، بالانتقال إلى العاصمة المؤقتة عدن، بسبب احتلال العاصمة صنعاء، ولكن السفير الروسي في اليمن يزور صعدة، في تحدٍ واضح للإرادة الشعبية، وكأنه يعلن مبايعته الطرف الآخر.
فهل سيبقى الموقف الروسي الداعي إلى وقف العمليات العسكرية، والعودة إلى المفاوضات في اليمن، متمسكاً بتلابيبه، من دون التصعيد مع السعودية، على الأقل في المستقبل المنظور. مع العلم أن الحرب الإعلامية والدبلوماسية بين موسكو والرياض بدأت تتطور تدريجياً، وقد ارتفع مستوى اللهجة بين المسؤوليين، ونرى أن اليمن بات جبهة جديدة للصراع الدبلوماسي بين البلدين. فالكرملين في جلسة الأمم المتحدة بدأ بتصعيب مهمة السعودية، في الحصول على قرار من مجلس الأمن الدولي، خاص باليمن تحت الفصل السابع، خصوصاً في الأيام المقبلة، لا سيما إذا تحولت العمليات من الجو إلى البر.

avata
avata
خالد ممدوح العزي (لبنان)
خالد ممدوح العزي (لبنان)