رئاسيات الأسد: من سينتخب؟

رئاسيات الأسد: من سينتخب؟

29 مايو 2014
الناخب السوري سيوازن بين تهديدات المعارضة وسيطرة النظام(ماريو تاما/Getty)
+ الخط -

تماشياً مع "الموضة" الحديثة لتجديد الولاية الرئاسية في الأنظمة الديكتاتورية، والتي انتقلت من مبدأ الاستفتاء الشعبي إلى مبدأ الانتخابات الرئاسية المحسومة النتيجة، يقدم الرئيس السوري، بشار الأسد، على خوض هذه التجربة، وسيفوز بها بحسب معظم التوقعات، بفارق كبير عن منافسيه، اللذين لا تتعدى فرص نجاحهما النسب التي تحددها الأجهزة الأمنية، فيما لو اكتملت فصول المسرحية الانتخابية وفق الآلية التي تسير بها حتى اللحظة.

ويبدو أن الهدف الرئيسي من إجراء هذه المسرحية الانتخابية هو إجهاض أي أمل بحل سياسي للقضية السورية، والإبقاء على حالة الاستعصاء العسكري التي لا تزال السبيل الوحيد لبقاء الأسد.

وكان الموفد الدولي إلى سورية، الأخضر الإبراهيمي، حذر، قبيل استقالته، من أن إعادة انتخاب الأسد ستعقد مساعي الحل السلمي للنزاع، متهماً النظام باللجوء إلى مناورات تسويفية لتأخير مفاوضات السلام مع المعارضة.

ووصف مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الانتخابات بالمهزلة، ومنعت بعض الدول السفارات السورية من إجراء انتخابات على أراضيها.

وفي الداخل السوري دعت بعض أحزاب وتيارات "المعارضة الداخلية" إلى مقاطعة الانتخابات، مثل "تيار بناء الدولة" و"هيئة التنسيق الوطنية"، فيما رحبت بها أحزاب أخرى مثل "الحزب الشيوعي السوري" و"الحزب القومي الاجتماعي"، في حين هددت فصائل المعارضة المسلحة بعمليات نوعية خلال فترة الانتخابات.

من جهته، حاول النظام التمهيد للانتخابات الرئاسية بعقد عدد من الهدن، بهدف تحييد المناطق القريبة من مناطق سيطرته، والتي قد تشكل تهديداً للسيناريو الذي رسمه للانتخابات، فعقد هدنة حمص ليتحقق له ربط العاصمة دمشق، عبر الطريق الدولي، مع وسط البلاد عبر حمص وصولاً إلى معقله في الساحل.

كما عقد النظام عدداً من الهدن في دمشق وريفها، كالقابون وببيلا والمعضمية، والزبداني ومضايا، لكنه لم ينجح، حتى الآن، بصنع هدن مماثلة مع بعض المناطق، مثل داريا المحاصرة ومخيم اليرموك والحجر الأسود.

وبتتبع خريطة سيطرة النظام جغرافياً، نجد أن محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، واللتين تعتبران أهم معاقل النظام سياسياً وطائفياً، تحتضنان مئات آلاف الأسر الهاربة من بقية المدن، وخاصة مدينة حلب، بما يصل وفق بعض التقديرات إلى مليون نازح، من المتوقع أن تشهد هاتين المحافظتين نشاطاً انتخابياً بارزاً، ما لم تحصل مفاجآت من المعارضة، ومن المتوقع أيضاً أن يصوّت النازحون، بحكم وجودهم تحت السيطرة المباشرة لقوات النظام، لصالح الأسد.

وفي محافظة حمص، الأكبر مساحة والأكثر سكاناً بتعداد يصل إلى مليوني نسمة قبل انطلاق الثورة السورية، أي قبل أن يُهجر النظام نحو 800 ألف منهم، كانت قوات النظام قد سيطرت، بدعم كبير من عناصر "حزب الله"، على مجمل الريف الجنوبي لحمص، بعد معركة القصير العام الماضي، وعليه يُتوقع أن يصوت غالبية من تبقى من أبناء المنطقة لصالح الأسد.

وفي محافظتي دمشق وريفها، يرجح أن تشهد المناطق التي يسيطر عليها النظام، عدا مناطق الهدن، نشاطاً انتخابياً، وأن يصوت معظم المشاركين للأسد خوفاً من إجراءات انتقامية، ولكن يتوقع، في المقابل، أن تكون المراكز الانتخابية، في هاتين المحافظتين، الأكثر استهدافاً من قوى المعارضة، في حال تنفيذها ما توعدت به.

وفي محافظة السويداء، التي تقطنها غالبية من الطائفة الدرزية، يبدو طبيعياً أن تشهد المحافظة مشاركة في الانتخابات، شبيهة بما يجري في المناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة النظام.

أما في دير الزور، شرقي البلاد، وهي المحافظة ذات الطابع العشائري، والتي كان عدد سكانها نحو 800 ألف نسمة، نزح أكثر من نصفهم جراء العمليات العسكرية، فتدور اشتباكات بين تنظيمي "الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش" من جهة، و "جبهة النصرة" و"الجيش الحر" وبعض مسلحي العشائر من جهة أخرى، وهذا ما يرجح فشل النظام في إجبار الأحياء التي بقيت تحت سيطرته على المشاركة بالانتخابات، بسبب قربها من مرمى نيران المعارضة.

وفي محافظة إدلب، حيث يسيطر النظام فقط على مدن إدلب وأريحا وجسر الشغور، يُتوقع ألا تشهد المحافظة مشاركة بالعملية الانتخابية، بسبب تطويقها بقوات المعارضة المسلحة، التي هددت كل من يشارك بالانتخابات. 

وفي محافظة حلب، التي يسيطر النظام على الجزء الغربي من المدينة، يتوقع أن تشهد نشاطاً انتخابياً محدوداً بسبب كثرة الجبهات المفتوحة مع المعارضة.

ويبدو أن محافظة الرقة هي المحافظة الوحيدة التي لن تشهد انتخابات بسبب سيطرة "داعش" على كامل أراضيها.

أما في محافظة حماه، فيرجح أن يكون النشاط الانتخابي على أشده في ريفها الغربي، وبدرجة أقل في ريفها الشرقي (مدينة سلمية وضواحيها)، بسبب معارضة أهالي تلك المناطق تاريخياً لنظام الأسد.

وفي أقصى الشمال الشرقي، حيث محافظة الحسكة ذات الأغلبية الكردية، يتوقع أن تشهد نشاطاً انتخابياً، كما يتوقع أن يحظى منافسا بشار الأسد ببعض الأصوات بسبب انتماء معظم سكان المنطقة لأحزاب سياسية، وبالتالي يتوجه الناخبون حسب توجهات أحزابهم.

وفي المحصلة، يبدو أن الانتخابات ستجري حيث يسيطر النظام، ولكنها ستكون مرتبطة بالظرف الموضوعي لكل منطقة، والموازنة بين الخطر الذي يتهددها من المعارضة، وحجم التهديد الذي يتلقاه الناخبون من قبل النظام، كما ترتبط بدرجة الولاء للنظام سياسياً وطائفياً.