دولة إسلامية في قالب علماني

دولة إسلامية في قالب علماني

07 سبتمبر 2018
+ الخط -
قلت، قبل أيام، إنّ بعض شباب الإسلاميين الذين يقيمون في الخارج يعيشون حالة انفصام بين تصورهم للدولة وبين ما يرونه من نماذج الدول القائمة على قواعد الإنسان الحر. قلت هذا الكلام ردا على ماقالته الناشطة اليمنية، توكل كرمان، عندما طرحت فجأة فكرتها بشأن الدولة التي تريدها في بلادها.
توكل كرمان ناشطة منخرطة في حزب سياسي ذي توجه إسلامي، وهو حزب الإصلاح اليمني، أو إخوان اليمن كما يسمونهم في أغلب وسائل الإعلام. حديثها عن "العلمانية والديمقراطية" يشرح حالة الإنفصام الذي يعيشه بعض شباب التيارات الإسلامية الذين يعيشون في الغرب "العلماني الديمقراطي". هم يريدون هذا النموذج الغربي الذي يقدّس الإنسان وحقوقه، وحريته التي هي حق مقدّس.
توكل كرمان عينة من الحالة "الانفصامية" لدى هؤلاء الشباب، فالإخوان الذين هُجروا إلى تركيا "العلمانية الديمقراطية"، يرونها نموذجا يجب أن تكون عليه بلدانهم، لكنهم عندما يصلون إلى الحكم تجدهم أبعد من أن يقوموا بإصلاح بنيوي على تيارهم، دعك عن النظام الأساسي للبلاد.
بعد فوز الإخوان المسلمين في مصر وليبيا وتونس، نصحهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن يتحولوا إلى رجال دولة، ويغيّروا في التفكير الذي يتحكم في التيار، ويقوموا بعملية إصلاح تتوافق والحكم لهذا العقد من الزمن، بمعنى أن يستجيبوا لمتطلبات المرحلة، فماذا كانت ردة فعلهم؟ لقد رفضوا جميعهم هذه المقترحات، بل وهاجموا أردوغان حينها، ولم تخطف الإشارة غير حركة النهضة لاحقا.
هل اتهامي هنا ظالم؟ سأحسن الظن في ذلك، وأقول إنني كنت مخطئا في هذا السياق، وإنّ هذه الصحوة متأخرة، أو يمكن أن نطلق عليها "صحوة الدولة الإسلامية في النموذج العلماني، أو ذات الهيكل الإسلامي".
يمكن أن يكون هذا التحول اضطراريا، إذا جاءت هذه الدعوة من قيادي متقدم أو من القيادات التاريخية للجماعة الإسلامية، لكن أن تاتي من الشباب، فهذا يعني تحولا طبيعيا في الفكر الحركي "الشاب" لطبيعة الحركة الشبابية المتفاعة مع العالم والعصر. لكن لماذا يتجه هذا الجيل من التيار الإسلامي إلى نموذج الدولة العلمانية، على الرغم من كل الشحن الإيديولوجي الذي تعرّض له شباب التيار؟
لا يمكن لنا قراءة هذا التحول إلا في صورة واحدة، هي اقتناع الشباب بأن بُنية الدولة الحديثة في أي مكان في هذا العالم الذي أصبح مترابطاً بشكلٍ لا يمكن تصوّره هي بُنية علمانية، هذه "حقيقة" ماثلة أمامنا، شئنا أم أبينا، ويجب التعامل معها في هذا الخصوص.
هنالك حقيقة أيضًا يجب أن نعترف بها، وهي أنّه ليست ثمّة نموذج لدولة إسلامية، يمكن أن يتطوّر ويبنى عليه نموذج الدولة الحديثة العادلة، بل أغلب النماذج التي أرادت بناء دولة "إسلامية"، هي نماذج فاشلة بحكم واقع التجربة الحديثة للدولة.
هنالك مقومات أساسية يجب أن تتوفر في أي دولة بغض النظر عن تركيبة سكانها ودينها، هذه المقومات هي حرية الإنسان وحقوقه وكرامته، هذه الأشياء واجب على كل دولة في هذا العصر أن تصونها، وإلا ليست هنالك دولة أساساً.
بالعودة إلى ما طرحته كرمان عن الدولة، لقد أجرت استفتاءً على صفحتها عبر "فيسبوك"، ووضعت متابعيها بين خيار الدولة العلمانية ووضع دول بعينها كنماذج، والدولة التي أسمتها "الكهنوتية"، ووضعت أيضًا لها نماذج من الدول التي تعتبرها لا مكان فيها لحرية الإنسان، وكان أغلب متابعيها اختارو النموذج الأول. يرى هذا الجيل ويقرأ نماذج لدول قائمة، دول مسلمة، لكنها قائمة بوصفها مؤسسات دولة على البناء العلماني، وهذه الدول تُلبي حاجات مواطنيها من كل نواحيها الإقتصادية والاجتماعية والتعليمية. وتكفل أيضًا حق المواطن في أن ينتقد ويكتب ويتحدث عن أي شيء من دون حجر عليه. وفي الوقت نفسه، هذه الدول ملتزمة تجاه أمتها ودينها وشعائرها، وهذا يؤكد أن ليست ثمّة تعارضا بين النموذج العلماني الذي يُصوّره الإسلاميون للمجتمع وحقيقة الدولة ذات المؤسسات العلمانية، أو لنسمّها بمفهوم أكثر وضوحًا بالدولة العادلة المحايدة تجاه مواطنيها.
ومن هنا، وجب على هذا الجيل وهؤلاء الشباب من الإسلاميين، أن يدفعوا بقوة نحو هذا النموذج، نموذج الدولة الوطنية الحديثة التي هي بالضرورة دولة "علمانية المؤسسات"، أو لنقل دولة إسلامية في قالب علماني، أو دولة علمانية في قالب إسلامي.
EEE464D6-44E0-4EAE-860B-0EF953BCBF95
EEE464D6-44E0-4EAE-860B-0EF953BCBF95
أحمد حسن كرار (السودان)
أحمد حسن كرار (السودان)