دوتيرتي يقلص التعاون الدفاعي مع أميركا: أي أبعاد للفيليبين؟

دوتيرتي يقلص التعاون الدفاعي مع أميركا: أي أبعاد للفيليبين؟

12 فبراير 2020
تنتهي ولاية دوتيرتي في العام 2022 (تيد ألجيبي/فرانس برس)
+ الخط -
ليس خافياً التصعيد الكلامي ضد الولايات المتحدة، الذي انتهجه الرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي، منذ وصوله إلى السلطة في العام 2016، وكذلك تهديداتُه المتواصلة بطرد القوات الأميركية من بلاده. لكن هذا التصعيد، الذي ظلّ مقتصراً لثلاث سنوات على سلاطة لسان دوتيرتي، اتخذ خلال الشهرين الماضيين منحىً أكثر جدية، على خلفية معاقبة واشنطن شخصيات مقربة من الرئيس الفيليبيني، في إجراءٍ مرتبط بملف حقوق الإنسان، ما أوصل أخيراً إلى إخطار مانيلا الولايات المتحدة، رسمياً، بقرار إنهاء العمل باتفاق عسكري مهم بين البلدين، وهو ما أعلن عنه أمس الثلاثاء، بعدما ظلّ مدار جدل طوال شهرين. وإذا ما تمسك الرئيس الفيليبيني بقراره، فإن ذلك يشكل ابتعاداً استراتيجياً ودبلوماسياً مهماً ومؤثراً بين البلدين اللذين تربطهما اتفاقات دفاعية تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، ما يصّب في صالح روسيا والصين، لاسيما لجهة ما يمنحه لبكين من نقطةٍ إضافية تخدم تطلعاتها في بحر الصين الجنوبي. ويبقى سؤالان أساسيان، هما ما إذا كان القرار لا يزال في إطار المناورة المتقدمة، وكذلك كيفية ردّ إدارة الرئيس دونالد ترامب على الإخطار، بعدما حاول الأخير منذ دخوله إلى البيت الأبيض تجنب رفع الاحتقان مع دوتيرتي، وذلك على خلاف طبع ترامب. 

ويتخذ التهديد بإلغاء اتفاق القوات الزائرة بين البلدين، الذي دخل حيّز التنفيذ في العام 1999، بعداً آخر. ففيما تضاعف الولايات المتحدة ودول غربية العقوبات على شخصيات فيليبينية تقول إنها متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان في هذا البلد، لاسيما في ما يتعلق بالحملة العسكرية التي أطلقها دوتيرتي عام 2016 ضد المخدرات، والتي حصدت تنديداً غربياً واسعاً، يبدو الأخير أكثر قلقاً، مع قرب انتهاء ولايته في العام 2022، من استهدافه مع دائرته الضيّقة بمزيد من العقوبات، ما جعله يسير بخطة إنهاء الاتفاق مع واشنطن، على الرغم من تحذيرات وزراء في حكومته، وكذلك سياسيين كثيرين، منهم يساريون. ولا يخفى أن الفيليبين ترتبط ليس فقط باتفاقات دفاعية هي من الأكبر والأهم مع الولايات المتحدة في المنطقة، ولكن أيضاً بمصالح تجارية ضخمة وبعلاقات سياسية قوية، وكذلك شعبية، في ظلّ أعداد الأميركيين الذين يتوافدون سنوياً إلى هذا البلد. وتبلغ نسبة التصدير السنوي من الفيليبين إلى الولايات المتحدة كل عام حوالي 10 مليارات دولار، ويحصل هذا البلد على 52 في المائة من المساعدات العسكرية الممنوحة من واشنطن إلى منطقة آسيا – الهادئ. وفي الوقت الذي يسعى فيه دوتيرتي هذه المرة جدياً للابتعاد قدر المستطاع عن المحور الأميركي، فإنه يضاعف بذلك انعطافته نحو الصين وروسيا، اللتين يقول دائماً إنهما "تحترمان أكثر سيادة" بلاده، وهو أمر "مفقود" لدى الأميركيين والغرب.



وفي تفاصيل القرار، أكد مسؤولون فيليبينيون، أمس الثلاثاء، أن دوتيرتي، قد أخطر واشنطن رسمياً بقراره إنهاء العمل باتفاق القوات الزائرة بين جيشي البلدين، منفذاً بذلك تهديده المتكرر بتخفيض مستوى التحالف الدفاعي بين البلدين. وقال المتحدث باسم دوتيرتي، سلفادور بانيلو، إن الرئيس يعتقد أن الوقت حان لتحقيق الاستقلال العسكري، ناقلاً عنه قوله إنه "حان الوقت لكي نعتمد على أنفسنا. سنعزز دفاعاتنا، ولن نعتمد على أي دولة أخرى". وتعد هذه المرة الأولى التي يخطر فيها دوتيرتي رسمياً الولايات المتحدة بإلغاء الاتفاقية معها، بعدما ظلّ أكثر من ثلاث سنوات قضاها في منصبه يندد بها ويتهمها بالرياء لتعاملها مع بلاده، وكأنها "كلب مربوط بسلسلة".

ومنذ يناير/كانون الثاني الماضي، ارتفعت وتيرة تهديد رئيس الفيليبين بالمضي بهذه الخطوة، وذلك على خلفية إلغاء واشنطن تأشيرة دخول رئيس الشرطة الفيليبيني السابق وأحد حلفاء دوتيرتي المقربين، رونالد ديلا روزا، والذي يتهمه الأميركيون بأنه اليد المنفذة للحملة ضد تجار المخدرات في البلاد في منتصف 2016، والتي أسفرت عن سقوط آلاف القتلى. كما ترتبط المسألة باحتجاز السيناتورة الفيليبينية ليلا دي ليما، وهي من أبرز المنتقدين للرئيس. وأمهل دوتيرتي الولايات المتحدة شهراً لإعادة التأشيرة لديلا روزا، لكنه لم يلق أيّ جواب.

وتعود العلاقات الدفاعية بين الفيليبين والولايات المتحدة، القوة الاستعمارية السابقة، إلى أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وتحكمها معاهدة للدفاع المشترك لا تزال سارية، بالإضافة إلى اتفاق لتعزيز التعاون الدفاعي، تمّ التوصل إليه في عهد الرئيس باراك أوباما. ومنحت اتفاقية القوات الزائرة التي أبرمت عام 1998، ودخلت حيّز التنفيذ العام التالي، وضعاً قانونياً لآلاف من الجنود الأميركيين الذين تناوبوا على زيارة البلاد لإجراء التدريبات العسكرية (300 تدريب العام الماضي) وتقديم المساعدات الإنسانية. أما اتفاقية أوباما، فتسمح بإقامة ممددة للجنود الأميركيين، وتمكنهم من بناء الثكنات والمستودعات وتخزين السلاح والمعدات الدفاعية داخل خمسة معسكرات محددة للجيش الفيليبيني.

ويتهم دوتيرتي الولايات المتحدة منذ فترة طويلة بأنشطة سرّية، ويقول إن وجود القوات الأميركية في بلاده يجعلها عرضةً للعدوان. وأول من أمس الإثنين، قال إن هناك أسلحة نووية أميركية مخزنة في الفيليبين.

وجاء قرار دوتيرتي، بعد جلسة في مجلس الشيوخ الفيليبيني الأسبوع الماضي، وعلى الرغم من تأييد وزيري الدفاع والخارجية، دلفين لورونزانا وتيودورو لوكسين، الاتفاق الدفاعي مع واشنطن، مبينين فوائده.

وقال لوكسين أمس الثلاثاء في تغريدة إن إخطار مانيلا لواشنطن بإنهاء اتفاقية القوات الزائرة وصلت إلى نائب رئيس البعثة الأميركية في السفارة الأميركية، رافضاً تقديم تفاصيل إضافية عن الخطوة كـ"لياقةٍ دبلوماسية". ولم يخرج أي تعليق أمس من الجيش الفيليبيني على الخطوة. ويقول مسؤولون أميركيون، بحسب ما نقلت عنهم وكالة "أسوشييتد برس" أمس، إن إنهاء اتفاقية العام 1999 يدخل حيّز التنفيذ بعد 180 يوماً من تسلم واشنطن إخطار مانيلا. ويؤثر إنهاء الاتفاقية خصوصاً على مسألة التدريبات المشتركة، إذ تبقى الاتفاقات الأخرى سارية.

ووقع وزير الخارجية الفيليبيني الإخطار بأمر من رئيس البلاد، وعلى الرغم من تحذيره الأسبوع الماضي في "الشيوخ"من أن فسخ الاتفاقية مع واشنطن "سيؤثر سلباً على أمن البلاد، ويزيد العداء في منطقة بحر الصين الجنوبي"، حيث ينظر إلى الوجود الأميركي في مياهها كثقلٍ أساسي موازٍ للصين، التي تطالب بكامل المياه. واقترح لوكسين مراجعة الاتفاقية، لتعديل بنود إشكالية، يعتبرها دوتيرتي مسّاً بالسيادة. وقال الوزير إن الولايات المتحدة منحت بلاده أكثر من 550 مليون دولار من المساعدات العسكرية بين العامين 2016 و2019، محذراً من ترددات إلغاء الاتفاقية على العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وذكر لوكسين بمساعدة القوات الأميركية في القضاء على تنظيم "داعش" في منطقة ماراوي في العام 2017.

ويهدد دوتيرتي منذ العام 2016، بإنهاء العمل باتفاقية القوات الزائرة مع الولايات المتحدة، من دون القيام، حتى أمس، بأي خطوة ملموسة في هذا الاتجاه. وبالإضافة إلى ذلك، منع دوتيرتي في ديسمبر/كانون الأول الماضي دخول أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي إلى بلاده، على خلفية محاولة هؤلاء حظر دخول نظراء فيليبينيين لهم إلى الولايات المتحدة، كما لوح بتشديد القيود على زيارة الأميركيين إلى الفيليبين. كذلك منع دوتيرتي أعضاء حكومته من زيارة الولايات المتحدة نهاية العام الماضي، ورفض دعوة من ترامب للانضمام إلى لقاء خاص ينظمه الرئيس الأميركي لزعماء منظمة دول جنوب شرق آسيا في مارس/آذار المقبل في لاس فيغاس، بحسب المتحدث باسمه.