دراما الحارة الشامية... دمشق خارج الخريطة

دراما الحارة الشامية... دمشق خارج الخريطة

01 سبتمبر 2020
من مسلسل "وردة شامية" (فيسبوك)
+ الخط -

 

لا يمكن لموسم درامي رمضاني سوري، مهما بلغت درجة تدني مستواه أو ارتفاعها، أن يفوّت تقديم عملٍ للبيئة الشامية، وربما أكثر. ورغم اختلاف عناوين تلك الأعمال، إلا أن جميعها تصب في بوتقة واحدة في غالب الأحيان، من حيث الشكل والسيرورة والنمطية المأخوذة عن المجتمع، في حقبة غالباً ما تمتد من بداية القرن العشرين وحتى الأربعينيات منه.

مناسبة الحديث عن هذا الموضوع، هو انطلاق كاميرا المخرجة السورية رشا شربتجي بتصوير أول مشاهدها في مسلسل "حارة القبة" الذي سيعرض في الموسم الرمضاني المقبل، وهو مسلسل بيئة شامية تدور أحداثه في بداية القرن الماضي ويتناول فترة "السفر برلك" والعديد من القضايا التي دارت في تلك المرحلة، في واحد من أحياء دمشق القديمة. وفي تفكيك أولي لعنوان المسلسل وما سيتناوله، لن نجد أي جديد يحمله، فالحارة الشعبية التي ترتكز عليها جل مسلسلات البيئة الشامية حاضرة في العنوان وفي صلب المسلسل، فيما سيكون الصراع مع "الأجنبي المحتل" رئيسياً كذلك من خلال "العصملي" (العثماني) الذي ما تلجأ إليه دراما البيئة الشامية للاتكاء عليه كمبرر لإبراز الأبطال بالتناوب مع المستعمر الفرنسي، وحبكة الملاحقة والتخفي والاشتباكات، سيوفرها "فرمان السفر برلك" للمخرج، كي يشعل أحداث المسلسل، ولا شك أن "هوشات" و"عركات" رجال الحارة ومكائد نسائها سيكون لها نصيب في تسلسل الأحداث.

تلك نمطية الحارة في البيئة الدمشقية، منذ "أيام شامية"، مروراً بكل الأعمال البيئية التي بدأت منذ فترة ليست قريبة، تشير إلى الحارة في العنوان، وأصابتها متلازمة الأجزاء المتعددة لترسخ هذه النمطية التي باتت مرغوبة من قبل الجمهور، حتى عندما فكرت إحدى شركات الإنتاج التي سطت على سلسلة "باب الحارة" المعروفة بأجزائها العشر، وأرادت إنهاءه والقيام على أنقاضه بعمل جديد، أسمته "عرس الحارة" الذي يكتبه مروان قاووق لتلك الشركة.

إذن، سنكون في الموسم المقبل أمام عملين يحملان تسمية "الحارة" في عنوانيهما، إضافة إلى الجزء الثاني من مسلسل "سوق الحرير" الذي يدعي صناعه أنه مسلسل اجتماعي وليس من أعمال البيئة الشامية. وهذا توصيف غير دقيق نظراً إلى سياق التعاطي الدرامي مع الأحداث والحوارات، وهو مسلسل أيضاً أصابته عدوى متلازمة الأجزاء المتعددة، حيث ظهر في جزئه الأول في الموسم الماضي، ومن المقرر أن يمتد على جزئين إضافيين في الموسم القادم والذي يليه. عموماً، كل تلك المسلسلات تناولت البيئة الدمشقية بالكثير من تسخيفها، انطلاقاً من الحارة الشعبية، التي لا مكان فيها – بحسب معظم مسلسلات البيئة الشامية وصناعها- إلا للمشاكل التافهة بين رجالاتها لمساندة خط درامي واحد يكاد لا يتغير، غالباً ما يكون مجابهة محتل أو مستعمر أو عدو، بخلق أحداث ووقائع منها ما حدث ومعظمها من الخيال لتبرير إخراج العمل أو حتى إيصال رسائل سياسية في بعض الأحيان، فيما تتعمد نمطية الحارة في مسلسلات البيئة الشامية، على تنميط المرأة كجارية لزوجها أو منصاعة في أحسن التوصيفات، وفي حال كان القرار بإعطائها دور لا تكون فيه المطيعة والمنصاعة، سيكون الخبث والدهاء والمكر أحد مكونات شخصيتها، فكأن لا خيار بين الإثنين.

وتبقى دمشق المظلومة الوحيدة بين كل تلك الأعمال، التي تجاهلت النهضة الأدبية والثقافية وحتى العلمية فيها خلال تلك الفترة (بداية القرن العشرين)، حين ازدهرت الصحافة في دمشق، وبرزت التيارات السياسية التي انتسب إليها الدمشقيون والدمشقيات من جميع الأحياء، الشعبية وغيرها، وتسارعت حركة النهضة الفكرية من خلال المنتديات والصالونات الأدبية، وانطلق أبو خليل القباني بمسرحه من دمشق إلى العالم كمؤسس للمسرح العربي حتى وصل شيكاغو، فيما شاركت المرأة في المظاهرات بل ونظمتها، وكان لها حضور فاعل في تنظيم النشاط الأدبي ولعب دور في الحركة النسائية السورية. وشهدت تلك الفترة تأسيس النواة الأولى لجامعة دمشق وهي المدرسة الطبية بفرعيها الطب البشري والصيدلة عام 1903 كأول جامعة حكومية عربية، وتبعتها مدرسة الحقوق بعد عشرة أعوام، ومن ثم الإعلان عن تأسيس الجامعة بعد عشر سنوات أخريات. 

الأرشيف
التحديثات الحية

عموماً، كانت دمشق مركزاً تجارياً وثقافياً مهماً يعد امتداداً لعمقها التاريخي، وقد يكون للدمشقيين في ذلك الوقت تمسك بالعادات والتقاليد شأنهم شأن جميع السوريين على مختلف الجغرافية السورية، إلا أن التخلف الذي صورته مسلسلات البيئة الشامية على أنه ملازم لتصرفاتهم ونمط حياتهم، لم يكن موجوداً بالمطلق، بدليل الأسماء التي لا تزال عالقة في ذاكرة تاريخ دمشق لكثير من الدمشقيين والدمشقيات في تلك الفترة، بالإضافة لمنتجاتهم المحفوظة في التاريخ الأدبي والفكري والعملي لدمشق، الذين لن يضرهم إن ذكرهم مسلسل، يريد منتجه التربح والكسب دون أن يلقي بالاً للمحتوى، أو تجنب ذلك.

المساهمون