حول مفهوم الاغتيال المعنوي

حول مفهوم الاغتيال المعنوي

23 يوليو 2015
ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في تفخيخ الالتئام المجتمعي (Getty)
+ الخط -
رسّخت حالة الصراع السياسي القاتمة القائمة بالبلاد منذ ثورة يناير بداية من حرب الصناديق وانتهاء بالانقلاب العسكري على أول تجربة ديمقراطية نزيهة شهدتها البلاد منذ سنوات مضت، حالة من الاستقطاب التي بدت في أقل صورها تخيلاً، حالة شقاق يصعب علاجها والتئام شطآن بحورها في ظل سعي كل طرف إلى ترسيخ ذكاوته في قراءة الواقع والماضي وحتى استشراف المستقبل فيما الطرف الآخر هو الجاهل والمغيب والذي تلاعبت به الأطراف الشريرة ومن ثم لا مجال لاستيعابه أو حتى إفهامه بهدوء.


ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في تفخيخ الالتئام المجتمعي فباتت مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك وتويتر كالمنصات التي تقذف لهبها صباحاً ومساء على كل مخالف للرأي وللرؤية وللهدف وللعشيرة وللحزب والجماعة، إن صوت التخوين والتشنيع والتقزيم بل ودعاوى القتل هي التي أضحت البطل الرئيسي للمشهد.

فتارة نرى التيارات المدنية التي تغنت قديماً وحديثاً بالحرية والليبرالية وحتى اليسارية، والتي تنادت في ما بينها بالمعايشة السلمية وتقبل الآخر، تنادي بقتل الإسلامين عن بكرة أبيهم وإبادتهم من مصر كلها بل ومن يفلت منهم من المقتلة، فنفيه وتهجيره خارج البلاد بات مطلبها في تعاطيها مع الإسلاميين، في حالة من الديماغوجية الغريبة على المجتمع المصري.

وبطبيعة الحال، وللمظلمة التي تعرض لها الإسلاميون والمقتلة التي يواجهونها كل يوم من الدولة بأذرعها العسكرية والأمنية وحتى المدنية، ارتأت أطراف عدة داخل المعسكر الإسلامي أن تتباعد عن التلاقي السلمي في الأفكار والنقاش إلى نهج فلسفة النسف في التعاطي الإعلامي مع كل مغاير لها في أطروحاتها وحتى أولئك المبتعدين عن التضامن مع مقتلتها الدائرة حالياً.

كانت الدولة هي البطل الرئيس الذي وفر مناخ الاغتيال المعنوي للأطراف كلها، فمن خلال استفحال دور الإعلام الخاص والحكومي وتوظيفه لقتل الخصم السياسي واغتياله معنوياً بل واستباحة دمائه في شاشات القنوات المقربة من النظام الحالي والسماح لكل صوت يدعو إلى قتل المعارضين سواء من الإسلاميين أو من على شاكلة موقفهم السياسي، دفعت الدولة بموقفها ذلك إلى خلق المظلة الشعبية الضخمة التي على أساسها ينطلق المواطن المصري في اغتيال خصمه السياسي بعيداً عن المساءلة القانونية.

مارست الأحزاب السياسية التي تحالفت مع سلطة الانقلاب حالة من البراغماتية السياسية المتضخمة، فبدلاً من العمل على تلافي أخطاء الإسلاميين أثناء قيامهم بسلطة الحكم في البلاد، ذهبوا إلى التغزل في السلطة والتزلّف إلى سلطانها محاولين الابتعاد عن مصير قائم لكل ما يخالف توجه الدولة وهو السجن والاعتقال والقتل، وذهبوا إلى تبني خطاب الدولة في تصفية الخصوم السياسيين بطبيعة الحال خاصة الإسلاميين منهم.

فرقاء يناير باتوا أشد ديماغوجية وتطرفاً وممارسة في الاغتيال المعنوي لكل طرف، فعوضاً عن استجابتهم لكل الأصوات التي تنادت بضرورة التصالح والتكاتف في مواجهة بطش السلطة، خاصة أن الجميع بات تحت مقصلة السلطان إلا أن الجميع استغرق الوقت الطويل في البرهنة على صحة موقفه السياسي، وأن رؤيته يجب أن يتبناها الجميع لإنقاذ الدولة ولا فكاك من الابتعاد عن أي طرف خان الثورة وتناسى الجميع أن الثورة خانها كل أبنائها من أصغرهم إلى أكبرهم.

الأزهر يمارس الاغتيال المعنوي هو ومؤسسة الإفتاء ضد تيار المعارضة الرافض للسلطة الحالية، فالإفتاء تصدّر كل يوم أحكاماً بالرضى والموافقة على إعدام العشرات من الإخوان ورفقائهم، ليس لتوافر الشروط التي تستوجب الإعدام بقدر ما هو موقف سياسي، فيما يمارس الأزهر الاغتيال المعنوي للجميع بداية من اغتيال نفسه بوقوفه عاجزاً عن مواجهة كل ما يحدث للأمة من تمزق وحالة التيه التي يمر بها ويعجز عن الخروج منها منذ عشرات السنوات وانتهاء بحالة الانغماس الفجة للمؤسسة في الحالة السياسية.

مؤسسات الدولة الأمنية من الداخلية والجيش وغيرها من المؤسسات التي تدور في فلكها تقوم بالاغتيال البدني والمعنوي لكل على حد سواء؛ لكل من تصل إليه يدها، بداية من اغتيال وقتل المعارضين في منازلهم وتفجير منازلهم، وانتهاء باغتيالهم معنوياً بالترويج كذباً بمسؤولية الضحايا عن أعمال عنف هم منها براء.

وفي حالة الالتهاب التي تمر بها البلاد واستعار معركة الاغتيال البدني والمعنوي من كل الأطراف سواء من الجاني أو الضحية، باتت القاهرة على فوهة بركان لا تُرى له نهاية في ظل الوضع الحالي، ومن يدري لعل قادم الأيام يحمل بين طياته وأحشائه ما يغفل عنه الجميع ولا يدركه إلا ذو لب لبيب.

(مصر)