حلب وجامعتها وانتخابات الأسد: ابتزاز وتشبيح ورقصٌ فوق القبور

حلب وجامعتها وانتخابات الأسد: ابتزاز وتشبيح ورقصٌ فوق القبور

30 مايو 2014
صور الاسد تملأ مناطق النظام (لؤي بشارة/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

امتلأت شوارع وساحات مدينة حلب السورية، في القسم الخاضع منها لسيطرة النظام، بلافتات التأييد للرئيس بشار الأسد، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في سورية. لم تكن هذه المظاهر مألوفة منذ أشهر عدّة، فقد حرصت قوات الأسد على الحد منها منذ بدء الحركات الاحتجاجية في المدينة، لتعود، اليوم، أكثر جرأة من حيث التوقيت والمضمون، وليكتب مجهول ساخراً على إحدى اللافتات: وعادت أيام حافظ الأسد.

وبينما غاب المرشحان ماهر جراح وحسان النوري عن مسرح الدعاية الانتخابية، ركزت حملة الأسد على إقامة الحفلات والمسيرات ورفع اللافتات في كل مكان، إذ تتولى فروع حزب البعث الحاكم، والأجهزة الأمنية هناك، مهمة إدارة الحملة، بالاعتماد على مؤسسات ودوائر الدولة والنقابات المهنية لتنفيذ نشاطاتها.

"خيمة الشبيحة"، هي واحدة من الخيم الانتخابية التي أقيمت داخل حرم جامعة حلب، بحسب ما تقول الطالبة شهد، التي توضح أن "احتفالاتهم تبدأ صباحاً مع بدء الدوام الدراسي، فيتجمع في الخيمة المؤيدون والشبيحة من حمَلَة السلاح، ويبدأون بالرقص والدبكة، بينما تصدح الأغاني في جميع ساحات الجامعة خلال ساعات النهار، ولا يجرؤ أحد على الاعتراض نظراً لما تسببه من تشويش على المحاضرات". وليس تفصيلاً أن معظم المحتفلين ليسوا من طلاب الجامعة، على حد تعبير شهد.

وتقول الطالبة الجامعية نفسها: "نصغي أحياناً إلى كلمات الأغاني لفهم معانيها، فهي غالباً غير مألوفة لنا، ومعظمها يحمل معانٍ طائفية، وبعضها الآخر يتضمن كلمات الكراهية والشتم للفصائل المقاتلة في المعارضة".

كذلك، تقيم النقابات المهنية حفلات خاصة بها، تدعو من خلالها الحاضرين للمشاركة في تقديم الولاء للأسد، والتصويت له في الانتخابات. وعن هذا الموضوع، يشير الطبيب عبد الرحمن، إلى أن العديد من الرسائل وصلته خلال الأسبوع الماضي من نقابة الأطباء للمشاركة في حفل خاص بالنقابة، "وعند حضوري، فوجئتُ بأنه حفل خطابي للدعوة لانتخاب الأسد".

أما بالنسبة للافتات الداعمة للأسد، فهي في حلب، تحمل توقيع جهات تجارية ومؤسساتية مختلفة. كما تحمل عشرات اللافتات، في ما يبدو سباقاً لإثبات الولاء، أسماء عشائر عُرفت بتصديها للحراك الثوري منذ بدايته، مثل آل بري. وكُتب على إحدى اللافتات المعلقة في ساحة الجامعة: "كتيبة الامام الباقر عليه السلام تبايع الأسد"، وتحمل توقيع عشيرة البكارة، بينما تضمنت أخرى عبارة: "الأسد حامي البلد"، وهي بتوقيع عابد خوجة، أحد الصناعيين في حلب.

بينما يقول التاجر عدنان، إن "توجيهاً وصلنا من غرفة صناعة حلب بوجوب تقديم لافتة لدعم الأسد في الحملة الانتخابية"، والغريب أنهم أشاروا إلى أنها "فرصة لرد الجميل".

وغرفة صناعة حلب، هي مؤسسة وصل بين الحكومة وأصحاب رؤوس الأموال والصناعيين، كانت قد صرّحت، في بيان رسمي، أن "المشاركة في الانتخابات هي رد بوجه مَن سرق ودمّر وشرّد العمال لأننا رفضنا الفتنة وتمسكنا بالوطن والشرف". وأضاف البيان: "ندعو للمشاركة لنقول بأننا ضحايا الإرهاب وإن مدينتنا دمرت لأن فيها رجال شرفاء". 

أما عن يوم الانتخابات، فيكشف مدير إحدى المؤسسات الحكومية في حلب، وقد رفض الكشف عن اسمه، أن موظفيه يتسلمون رواتبهم عادةً من المعتمد داخل المؤسسة، "وقد اعتدنا صرف الرواتب في 29 من كل شهر، لكن وصلني كتاب رسمي لتأجيل قبض الرواتب إلى ما بعد الانتخابات، وإعطاء الموظفين فرصة ساعتين للذهاب إلى مراكز الاقتراع، ثم العودة بعد ذلك إلى المؤسسة". ويضيف: "كما طلبوا مني رفع كتاب بأسماء جميع المتخلّفين عن أداء هذا الواجب الوطني".

وفيما ينتظر البعض يوم الانتخابات الرئاسية، فهي لا تعني آخرين. ويقول أحمد إنه يفضّل أن يبقى في بيته في هذا اليوم، "فلا أريد أن يجبرني أحد على الذهاب للإدلاء بصوتي، كما لا أريد أن أتعرّض للمساءلة من قبل الحواجز".

من جهته، يعرب سامر عن اعتقاده بأن المشاركة هي "بحدّ ذاتها خيانة، لأنها تحمل اعترافاً بشرعية النظام والانتخابات، وبالتالي فعلى الجميع مقاطعتها". أما محمد، وهو أحد أعضاء الهيئة الإدارية في جامعة حلب، فيكشف بدوره أن وزارة التعليم العالي قامت بتقديم موعد امتحانات جامعة حلب 18 يوماً، ليتزامن مع يوم الانتخابات، "وقد أمَرَنا عميد الكلية بوضع برنامج امتحاني يتناسب مع قدوم أكبر عدد من الطلاب إلى الجامعة التي تضم مراكز انتخابية عدة". ويشدد محمد على أن جميع الطلاب "خائفون من سقوط القذائف على المراكز أثناء تواجدهم، ونتوقع امتناع الكثيرين عن تقديم الامتحانات خلال هذا اليوم"، في إشارة إلى تهديد سابق لفصائل المعارضة المسلحة كانت قد أطلقته وتوعدت بموجبه باستهداف المراكز الانتخابية في حلب بقذائف "الهاون".
وفي السياق، يوضح محمد أن "المراكز الانتخابية في الجامعة تُعَدّ الأخطر، فقد حدّدت جميع المراكز الأخرى في المدينة داخل مبانٍ قوية، تحسُّباً لقذائف المعارضة المسلحة، كالمتحف وصالة الأسد، ومبنى البنك العقاري". غير أن كثيرين سيكونون مثل شهد، مضطرين لتقديم الامتحان، "وإن أُجبرتُ على الانتخاب، فسأنتخب، لأن صوتي لن يقدم ولن يؤخر".

المساهمون