حكومة الأردن تغازل الشارع بقرارات "شعبوية" لتمرير ضريبة الدخل

حكومة الأردن تغازل الشارع بقرارات "شعبوية" لتمرير ضريبة الدخل

03 أكتوبر 2018
حكومة الرزاز تتخوف من تكرار الاحتجاجات(خالد مزراوي/فرانس برس)
+ الخط -

 

ترمي الحكومة الأردنية برئاسة عمر الرزاز بكامل ثقلها بهدف تهدئة الشارع الذي تخيم عليه أجواء احتجاجات واسعة ومستمرة منذ مايو/ أيار الماضي رفضا لمشروع قانون ضريبة الدخل الذي يعد أكثر التشريعات جدلا في البلاد وتسبب بأسقاط حكومة هاني الملقي في يونيو/ حزيران 2018.

ويرى مراقبون أن حكومة الرزاز تغازل الأردنيين هذه الفترة من خلال اتخاذ قرارات توصف بالشعبوية وذلك لنزع فتيل أزمة تلوح في الأفق أو على الأقل تخفيف حدة الاحتجاجات المصاحبة لإحالة الحكومة مشروع قانون ضريبة الدخل إلى البرلمان ضمن القنوات الدستورية لإقراره بشكل نهائي.

ولم يخف وزير حالي، رفض ذكر اسمه، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة استفادت كثيرا من الأزمة التي واجهت حكومة الملقي وتعمل على تفادي الأخطاء التي وقعت فيها، ومن ذلك امتصاص غضب الشارع بقرارات موجهة تلامس احتياجات المواطنين بما يسهل عملية تمرير قانون الضريبة الذي يعتبر مفصلا أساسيا في البرنامج الإصلاحي الاقتصادي للأعوام القليلة المقبلة.

وقال مصدر مطلع لـ"العربي الجديد" إن الحكومة اتخذت قرارا بعدم رفع أسعار المشتقات النفطية الشهر الحالي رغم ارتفاع أسعارها عالميا، إضافة إلى تخفيض بدل دعم المحروقات المثبت على فواتير الكهرباء بمقدار فلسين لكل كيلوواط وذلك تفاديا لتأزيم الشارع مجددا.

وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن الحكومة الحالية أدركت أن القشة التي قصمت ظهر الحكومة السابقة هي رفع أسعار المحروقات لشهر يونيو/حزيران الماضي، بالتزامن مع إقرارها قانون الضريبة.

وكانت وزيرة الطاقة هالة زواتي قالت الأحد الماضي، إن السبب هو دراسة فرض ضريبة مقطوعة على المحروقات بدلا من النسب المفروضة حاليا.

وفي سياق متصل، تكثف الحكومة حملاتها للترويج لقرار تخفيض وإلغاء ضريبة المبيعات المفروضة على سلع ومواد غذائية وعزمها شمول مواد أخرى بعد إقرار قانون ضريبة الدخل.

كما تحاول الحكومة بعث رسائل إيجابية إلى النقابات المهنية بأنها لن تمس الصناديق الخاصة بها وذلك تجنباً لتحركات النقابات المهنية التي قادت حراك الشارع الأردني نهاية مايو/ أيار الماضي الذي أدى إلى إسقاط الحكومة وسحب مشروع القانون السابق من البرلمان.

وقال رئيس مجلس النقباء السابق ونقيب الأطباء علي العبوس لـ"العربي الجديد" إن الحكومة الحالية باتت أكثر حرصا على عدم إثارة الشارع ضدها بالشكل الذي واجهته الحكومة السابقة، وهي تعمل على امتصاص الغضب الشعبي والانتقادات الحادة الموجهة إليها من قبل المواطنين والنقابات والنواب ومختلف القطاعات.

وأضاف أن قرارات تخفيض ضريبة المبيعات على أسعار بعض السلع الغذائية وتثبيت أسعار المحروقات الشهر الحالي ستسهم إلى حد في تخفيف الأعباء المعيشية عن كاهل المواطنين، لكن المهم أن ترفع الحكومة الدخل الخاضع للضريبة بالنسبة للأفراد والعائلات.

ويراهن الشارع الأردني بفعالياته كافة على مجلس النواب الأردني لإجراء تعديلات على مشروع قانون ضريبة الدخل بما اشتمل عليه من رفع للضرائب على المواطنين والعديد من القطاعات الاقتصادية، إذ بدأت لجنة الاقتصاد والاستثمار في المجلس حوارا موسعا حول القانون اعتبارا من أول من أمس الاثنين.

ويتوقع نواب ومختصون في الشأن المحلي أن تشهد مناقشات مجلس النواب للقانون بشأن القانون الجديد حالة من التوتر، ولا سيما أن المجلس لن يستطيع تجاهل ما شهدته المحافظات من احتجاجات ورفض للقانون الأسبوع الماضي، ما أفشل زيارات فرق حكومية سعت إلى ترويج القانون وإقناع المواطنين به.

وبموجب التعديلات الجديدة على القانون فقد تم منح المواطنين إعفاءات بمبلغ 1400 دولار سنويا فقط، منخفضة من حوالي 5600 دولار وربطها بفواتير التعليم والمعالجات الطبية ونحوها.

كما رفعت الحكومة ضريبة الدخل على البنوك من 35% إلى 37% وتخفيض الضريبة على المناطق التنموية من 20% إلى 6% وتخفيض الرواتب التقاعدية الخاضعة للضريبة إلى حوالى 3500 دولار شهريا.

كما تم إعفاء صناديق التكافل الاجتماعي للنقابات من ضريبة الدخل من المبالغ المدفوعة للإعفاء وورثته وتم التأكيد على مبدأ التصاعدية في الضريبة بإضافة شريحة جديدة لذوي الدخل المرتفع جدا، بحيث يخضع الدخل الذي يزيد على 1.41 مليون دولار سنويا إلى نسبة ضريبة 30 %.

وقد رفع قانون الضريبة الجديد أعداد المواطنين الخاضعين لضريبة الدخل بشكل كبير، من خلال تخفيض قيمة الدخل الخاضع للضريبة إلى حوالى 25.38 ألف دولار نزولا من 33.84 ألف دولار في القانون الحالي بالنسبة للعائلات.

كما تم تخفيض دخل الفرد الخاضع للضريبة إلى 12.69 ألف دولار في العام المقبل على أن ينخفض مرة أخرى في العام 2020 ليصبح 11.28 ألف دولار نزولا من 22.56 ألف دولار في القانون الحالي.

ورُفعت نسبة الضريبة على شركات الاتصالات وتوزيع وتوليد الكهرباء والتأمين وإعادة التأمين.

كما فرض القانون الجديد ضريبة تكامل اجتماعي بنسبة 1% من دخل الشخص الطبيعي عن الدخل الصافي للفرد أو الموظف عن دخله الخاضع للضريبة وبالنسبة نفسها من صافي أرباح الشركات لغايات البحث العلمي ومكافحة الفقر.

الخبير الاقتصادي حسام عايش، قال لـ"العربي الجديد" إن الحكومة تدير معركتها مع الشارع بشأن القانون بأسلوب مختلف هذه المرة من خلال قرارات مرحب بها عند المواطنين وتتعلق بتخفيض الأسعار، إضافة إلى إعلان الناطق الرسمي باسم الحكومة جمانة غنيمات أن رئيس الوزراء وجّه لدراسة إصدار عفو عام، وهو مطلب جماهيري.

وأضاف عايش أن أكثر من 70 عضوا في مجلس النواب سبق أن تقدموا للحكومة بمشروع قانون لإصدار عفو عام، وبالتالي فإن التجاوب الحكومي مع هذه الخطوة في الوقت الذي أقرت فيه قانون الضريبة يعتبر بمثابة المقايضة مع مجلس النواب.

وحسب عايش، تسعى الحكومة لتمرير قانون الضريبة بأقل حد ممكن من التعديلات التي قد يدخلها النواب، وبما لا يقلل من العوائد المالية المحتملة للتعديلات القانونية، والأهم من ذلك الوصول إلى صيغة توافقية ترضي صندوق النقد الدولي في نهاية المطاف.

وزاد عايش على ذلك بقوله العفو العام يتطلع إليه المواطنون باهتمام، وربما يسهم في تخفيف حدة الاحتقان الشعبي ضد قانون الضريبة، ولا سيما أن القانونين سيناقشان بالتزامن.

وحسب المراقبين، فإن إقرار البرلمان لقانون التقاعد المدني المعدل يعطي رئيس الوزراء أيضا حافزا لإجراء تعديل على حكومته لطالما شكل ذلك مطلبا أساسيا لعدد كبير من النواب، وسط ترجيحات أن الرزاز سيجري التعديل قبل انطلاق أعمال الدورة العادية لمجلس الأمة في الرابع عشر من الشهر الجاري بعد إرجاء انعقادها بمرسوم ملكي صدر السبت الماضي.

ويتوقع أن يخرج من التعديل وزراء التأزيم الذين وجهت إليهم انتقادات حادة من قبل النواب منذ تشكيلة الحكومة، إضافة إلى أن الرزاز أكمل أمس، تقييم أداء وزرائه بعد مرور 100 يوم على تشكيلة الحكومة، وذلك حتى يدخل إلى قبة البرلمان هذه المرة بأحمال أقل ثقلا من السابق.

المساهمون