حكاية أمل على رصيف الحياة

حكاية أمل على رصيف الحياة

23 يونيو 2019
+ الخط -
مع ساعات الصباح الأولى يحمل خالد نفسه متحاملا على هم الحياة ونكدها، يجلس على قارعة الطريق على مقاعد البؤس أو المتقاعدين من وظائفهم، يجلس منفرداً، فمعظم أصدقائه إما في أعمالهم أو جالسين في منازلهم يندبون حظهم وسوء الحياة، تمضي الأيام معه، فهو يقصد المكان بشكل مستمر، مع مطلع الصباح إلى قبيل المغرب، فالليل يأتي ليفتح جروحاً أخرى للإنسان..

فخالد في النهار يتقاسم الهموم مع الجالسين والمارين به، وتأخذ حيزاً من ألمه سيجارته التي يوقدها بين دقيقة وأخرى، فهو لا يدخن بطراً ولا ترفا، بل إن هذه السيجارة تمتص جزءاً من الهموم التي ألمت به، لقد أصبح خالد مألوفاً بين الذين يجلسون على قارعة الطريق، يسمع منهم حكاياهم وخيبات أملهم، يستمع لقصص وحكايا متناقضة، ما بين أقصى يمين الفرح، وأقصى يسار الحزن، يستمع ويحلل ويتداخل معهم، فهو رفيق الطريق الذي يجلسون عنده..


ترى لو كان لهذه المقاعد ألسنة وشفاه.. بماذا ستخبرنا؟ ما الذي حفظته من أسرار؟..
لقد سمعت من الأحاديث المفرحة ما لو إذا سمعها حزين في هذا الكوكب لكانت بمثابة الماء البارد الذي يطفي نيران الهموم المتوقدة في قلبه، ومن الأخبار المؤلمة ما لو إذا سمعناها، لنزفت قلوبنا دما، وذرفت عيوننا من الحزن ما تمتلئ به البحار دموعاً، لقد بدأت ساكنة لا حراك فيها، لكنها لو نطقت لم تسكت حتى تبكيك وتضحكك.

تمضي الأيام على خالد ويألف بعدها حياة البطالة، فالجلوس مع كبار السن ممتع، وفي ساعة من نهار بينما يأخذ أطراف الحديث مع رجل عجوز.. رفع بصره فجأة! إلى الأعلى، فسقطت عينه على فتاة بدت من شرفتها تشاهد المارة، فرمقت عينها خالدا، ابتسمت ودخلت إلى حجرتها محمرة الوجه خجلاً وحياءً، لقد دخل خالد قلبها بلا استئذان، حاولت الانشغال بأعمالها وأشيائها، لكن طيف خالد يراودها عند كل يوم، تخرج إلى شرفتها ترمقه من بعيد تتأمله ترى البؤس بادياً على وجهه، الذي امتلأ بالألم، وتراه في وقت آخر، فترى وجهه يتهلل بالبشر والسعادة، وما بين هذه الحالات تراه أجمل ما رأت في حياتها، فبؤسه وسعادته، ضحكته ودمعته، ابتسامته واشمئزازه، إقباله وأدباره، هو سعادة بحد ذاتها..

لكن خالد يرى في الأمر شيئا آخر فهو لا يعمل، وكلما أقبل إلى مكان عمل، مكث فيه برهة من الزمن، وبعدها يتوقف العمل، أو أن الشركة التي قصدها أغلقت بعد أيام أو أسابيع، ولعل الحياة تآمرت عليه فلم تعطه منها إلا البؤس، لكن ثمة أمل دخل إلى قلبه حين وقعت عينه بعينيها، فكلما هجم عليه اليأس جاءه طيفها يربت على كتفي الهم فيصرع الهم أرضاً، وبقي يراها، ولسان حاله: "العين بصيرة واليد قصيرة"..

فالعين تبصر كل جميل، لكن الحيازة لا تكون إلا باليد، واليد يا للأسف بصيرة حقيقة، تمتد مجازاً، وما زال خالد يمني نفسه ويعدها خيرا أشرق في قلبه منذ المساء المنصرم.

وما يدريك؟.. لعل باباً يفتح في دربك أو رزقاً تكون سببه رفيقة درب حياتك فتفتح عليك من الحياة أيسرها وأنعمها وألطفها، وتبقى للحياة رواية أخرى وقد تكون النهايات أكثر إشراقاً من البدايات.