حقوق الشهداء في مصر

حقوق الشهداء في مصر

11 اغسطس 2014
+ الخط -


عام مضى على بدء صفحة سوداء في تاريخ مصر الحديث، سطرتها يد الانقلاب الملطخة بدماء زكية لشهداء ميداني النهضة ورابعة العدوية؛ لتسترجع مصر مرارة أحزانها على آلاف الشهداء من خيرة أبنائها، كانت قد غدرت بهم يد العسكر. لكن، حسبهم شرف الشهادة من أجل دين ووطن وكرامة وحرية، غير أن سؤالاً ملحاً يردده كثيرون، بعد مضي عام على مذبحة الشهداء، هو أين حقوق هؤلاء الشهداء؟

حقيقة تاريخية لابد أن يدركها الجميع، هي أن طريق الحرية يمهده الشهداء بدمائهم وتضحياتهم، فلم يعرف التاريخ أمة دحرت أعداءها، وامتلكت إرادتها بغير تضحيات أبنائها، بأرواحهم قبل دمائهم، وشهداء ميداني رابعة العدوية والنهضة كانوا الطليعة المتقدمة في معركة استرداد مصر حريتها وإرادتها، غير أن مرور عام على فض اعتصامي الميدانين من دون اتخاذ إجراء تجاه من غالوا في دماء المصريين يحفز على البحث عن حقائق ما جرى.

بيّت نظام الانقلاب، منذ اللحظة الأولى لأول قطرة دم من شهيد، النية لطمس الحقائق، وتبرئة الجناة من العقاب، فعملية القتل كانت مؤسساتية، أدارتها مؤسسات النظام؛ فاجتهدت سائر المؤسسات عبر من يديرونها في طمس معالم الجرائم. لذلك، من غير المتصور أن ننتظر ممن أجرم وانتهك حقوقاً إنسانية تقديم دليل إدانته، والحكم على نفسه.

في مصر، أنشأ النظام مجلساً لحقوق الإنسان، غير أن شواهد الواقع الدامغة تشير إلى أن ما يسمى (المجلس القومي لحقوق الإنسان) لا يعدو كونه مجلساً صورياً، وسائر ما يمكن أن يصدر عنه بخصوص ضحايا فض الاعتصامات، أو غيرهم، هو بناء على توجيه النظام، ليصب، فقط، في تبريد حالة السخط العام والالتفاف عليها، ولن يؤدي إلى فعل ملموس على أرض الواقع.

كذلك، فإن حالة الترنح التي تعيشها مؤسسات العدالة في مصر، والتوحد بينها وبين نظام الانقلاب في معركته لاستئصال رافضي الانقلاب، تقطع الطريق على فكرة تحصيل حقوق الشهداء عبر مؤسسات نالت شواهد الواقع منها، وتضاءل الأمل في حيادها ومصداقيتها.

وعلى جانب آخر، تم التحرك على مستوى دولي وإقليمي، من أجل الدفع نحو محاكمة قادة الانقلاب، غير أن الأمر، وإن كان له بعض الأثر في جانب التعريف بحقيقة الجرائم المرتكبة، ويوسع قاعدة التعاطف على مستوى الشعوب، ويمثل نوعاً من الضغط على قادة الانقلاب، إلا أنه لن ينتج أثراً في الواقع بمحاكمات فعلية، تنتصر لحقوق الشهداء. ونحن نعلم أن المحكمة الجنائية الدولية التي يراد تحريك هذه القضايا أمامها تهيمن عليها الدول الكبرى، راعية المشروع الصهيوني، والتي رعت ومهدت للانقلاب في مصر. وإن فض اعتصامي ميداني رابعة والنهضة، والتعامل الوحشي مع الشهداء، ما كان ليقدم عليه النظام، لو لم يكن هناك ضوء أخضر دولي، وقد رأينا أن كل زيارة لممثلة الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، كان يعقبها تصعيد في أعداد الشهداء والجرحى.

سائر ما تم توثيقه وتقديمه لهذه المحاكم الدولية سوف يسخر لمزيد من الضغط على قادة الانقلاب، لتحقيق مزيد من المصالح للمشروع الصهيوني في مصر والمنطقة، والواقع والأحداث تؤكد ذلك. فلقد صنعت جرائم الانقلاب حالة ونموذجاً فريداً لنظم الحكم الخاضعة للضغط والهيمنة، والتي تسعى أميركا وحلفاؤها ومشروعهم الصهيوني، دوماً، إلى تخليقها للسيطرة على الدول والشعوب، ونظام عبد الفتاح السيسي أقصى ما كان يتمناه هؤلاء.  ويؤكد تاريخ المحاكم الدولية على أنها فقط أدوات لشرعنة عقاب من لا يتوافقون مع المصالح الأميركية الأوروبية والمشروع الصهيوني، بينما يعيش نظام الانقلاب أعلى درجات التوافق، بل الانصهار مع الإستراتيجية الأميركية والصهيونية. لذلك، فإنه يعد خطأ إستراتيجياً في مشروع مناهضة الانقلاب التعويل على مثل هذه المحاكمات.

تنبهنا تجارب الشعوب في القرن الماضي، مثل تجربة تركيا، وقت المؤسسة العسكرية، وتجربة تشيلي بينوشيه، أنه في اليوم الذي أسقطت هذه الشعوب جلاديها، حاكمتهم وانتصرت لدماء شهدائها. لذلك، تتلخص الإجابة الشافية في العمل المستمر على دحر الانقلاب، مما يؤدى إلى محاكمة من انقلبوا على إرادة الشعب، وسفكوا الدماء. فدحر الانقلاب هو السبيل الوحيد لحفظ حقوق الشهداء، وعندما تعود إلى الشعب حريته المسلوبة، سيُمضي إرادته ويحقق عدل الله في الانتصار للحق ولدماء الشهداء. ولقد أثبتت شواهد التاريخ أن الشعوب التي عاشت تجارب استبدادية لم تسترد حريتها، وتنتصر لدماء شهدائها، إلا بعد أن دحرت مستبديها. فالعدل لا يرجى من ظالم، والحرية لا تطلب من مستبد.

D14DCC9E-4695-4E3F-AF5D-957B3D79F68C
D14DCC9E-4695-4E3F-AF5D-957B3D79F68C
محمد الشبراوي (مصر)
محمد الشبراوي (مصر)