حسن روحاني وتحديّات الداخل والخارج

حسن روحاني وتحديّات الداخل والخارج

29 ابريل 2014
روحاني يعيد رسم السياسات الداخلية والخارجية (مجيد سعيدي،getty)
+ الخط -

تشهد ولاية الرئيس الايراني حسن روحاني، تحولاً جذرياً في تاريخ علاقات إيران مع الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، إذ يجري الطرفان محادثات ثنائية للمرة الأولى منذ العام 1979.

وبدأ روحاني يستقطب الاهتمام الدولي في ظل إدارته المحادثات الايرانية مع القوى العالمية الست (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين)، للتوصل الى اتفاق بشأن البرنامج النووي الايراني.

ورغم كثرة عدد المشككين في نجاح المحادثات، وفي إمكانية التوصل الى حل يرضي الطرفين، فإن هناك مؤشرات عن وجود رغبة حقيقية لدى إدارة روحاني بالتوصل إلى اتفاق، وذلك كخطوة أولى للمضي قدماً في تطبيق السياسات التي تعهد بتنفيذها في حملته الانتخابية. ويأتي حرص روحاني على انجاح المحادثات، ليس لتلافي ضربة عسكرية يتوقع أن تحمل نتائج كارثية على إيران والمنطقة والاقتصاد العالمي، فحسب، إنما أيضاً لتطبيق سياساته الداخلية والخارجية.

التحديات الخارجية

يرغب روحاني بإعادة رسم السياسة الخارجية الايرانية، لذلك يطمح الى إنجاح المحادثات النووية مع القوى الكبرى، لإعادة ايران الى حضن المجتمع الدولي بعد عقود من العزلة. ويواجه الرئيس الإيراني تحديات خارجية، تتمثل في تشكيك الولايات المتحدة في مصداقية بلاده في سعيها لتقديم تنازلات تفضي الى التوصل الى اتفاق. كذلك تتخوف الولايات المتحدة من إمكانية استغلال إيران رفع الحظر عنها، إن حصل، في تعزيز نفوذها في سوريا ولبنان والعراق والبحرين واليمن ودول اقليمية أخرى. لهذا السبب، تحاول واشنطن أن تؤكد لحلفائها في المنطقة، أن سعيها للتوصل الى اتفاق مع طهران، لا يعني تخليها عن دورها المحوري في المنطقة، لذلك هي تحاول تعزيز القدرات العسكرية لهؤلاء الحلفاء.
وفي هذا السياق، ينصح "الصقور" الأميركيون، الذين غالباً ما يتخذون مواقف متشددة من المحادثات النووية مع ايران، الإدارة الأميركية بوضع خطة بديلة لحصار اقتصادي يمكن فرضه على الجمهورية الاسلامية، في حال تعذر الوصول الى اتفاق بين طهران والقوى الست.

ويبدو أن روحاني يدرك تبعات عدم التوصل الى اتفاق مماثل، وانعكاساته السلبية على علاقات ايران مع دول الغرب. وقد عزز الوضع الراهن الذي تعيشه المنطقة، سعي روحاني لفتح حوارات مع القوى الكبرى، على أمل حصول انفراج حقيقي معها. وترى ايران، كما القوى الغربية، أن صعود التيار السلفي في المنطقة هو أكبر تهديد لوجودها، ولهذا يسعى روحاني إلى تطبيق مقولة "عدو عدوي صديقي"، وخصوصاً لأن إيران تعيش في عزلة كبيرة داخل محيط عربي يختلف معها مذهبياً.

التحديات الاقتصادية

يطمح روحاني، من خلال التوصل إلى اتفاق شامل مع الغرب، الى التفرغ لبذل المزيد من الجهد والوقت لحل المشاكل الداخلية، والتي تتقدمها الأزمة الاقتصادية داخل إيران. ويعتبر الرئيس الإيراني أن سيطرة الحرس الثوري الإيراني على قطاعات النفط والغاز والإعمار في البلاد، هي أبرز العقبات الأقتصادية التي ورثها عن الإدارة السابقة برئاسة محمود أحمدي نجاد. ويرى خبراء أقتصاديون، انه بالرغم من تمكن حكومة روحاني من إجراء بعض الإصلاحات الاقتصادية، فإنها لا تزال تحتاج الى سنوات عدة لكي تضمن تجنيب الاقتصاد الإيراني الانهيار.

ولا يزال خفض الدعم الحكومي للوقود، في محاولة من روحاني لخفض التضخم الذي يصل الى 40 في المئة، يواجه استياء شعبياً واسعاً، وخصوصاً أنه يتزامن مع ارتفاع نسبة البطالة التي وصلت الى 15 في المئة من القوى العاملة في إيران، وهذا بالتالي يثير مخاوف روحاني من وقوع أحداث أمنية قد تضع شعبيته على المحك.

روحاني والمحافظون

ولا يخلو طريق روحاني من عقبات أخرى قد تحول بينه وبين تحقيق ما يصبو اليه خلال دورته الرئاسية. وتبقى الصلاحيات المطلقة التي يتمتع بها المرشد الأعلى، علي خامنئي، من أبرز التحديات التي يحسب روحاني لها ألف حساب، قبل اتخاذ اي خطوة نحو تحقيق برامجه. ومع ان المرشد الاعلى يدعم سياسات روحاني في الوقت الحاضر، فإن هذا لا يعني أنه سيتفق معه إذا رأى أنها تتعارض مع توجهاته، وخصوصاً أن خامنئي هو المشرف المباشر على المباحثات النووية بين إيران والدول الست، وبالتالي على روحاني ألا يقوم بأي خطوة من دون إطلاع المرشد عليها.

ويشكّل الحرس الثوري الإيراني كذلك، تحدّياً لروحاني في تطبيق سياساته في الداخل والخارج. وتحرص هذه المنظمة على عدم خسارتها حصة الأسد في الاقتصاد القومي الإيراني، إضافة الى فرضها رقابة شديدة على المجتمع للتأكد من خلوه من ممارسات قد تهدد "الامن القومي". ولا يزال الذراع العسكري للحرس الثوري الايراني، "فيلق القدس"، يهيمن على رسم شكل علاقات إيران مع حلفائها في المنطقة، كما هو الحال في سوريا ولبنان والعراق ودول أخرى.

ورغم تمتع حكومة روحاني بغالبية توافقية معتدلة ترتكز على ائتلاف قوي، فإنها تواجه معارضة قوية من أقلية إسلامية تمثل ثلث عدد مقاعد البرلمان. ويسيطر المحافظون، من ساسة ورجال دين وأمن، على مفاصل رئيسية في الدولة، ويشكلون معارضة لا يستهان بها لروحاني وسياساته الداخلية والخارجية.

وعلى صعيد السياسة الخارجية، تعمل المؤسسة المحافظة في إيران على معارضة سعي روحاني وفريقه للتوصل الى اتفاق مع الدول العظمى حول البرنامج النووي الإيراني. كذلك، يرفض أعضاء هذه المؤسسة بشدة، انتقادات المجتمع الدولي حول موقف إيران من الثورة السورية والتدخل الإيراني في المنطقة. أما على صعيد السياسة الداخلية، فترفض هذه المؤسسة سعي روحاني لتنفيذ إصلاحات اقتصادية، وذلك حتى لا تخسر هيمنتها على الاقتصاد الإيراني، فيما ترفض بشدة بعض السياسات الاجتماعية التي يمكن وضعها في خانة الانفتاح، ودعوات لحماية حقوق الانسان، لأنها تعتبرها تهديداً للمجتمع الايراني المحافظ.

ويبقى الوقت وحده كفيلاً بمعرفة ما اذا كان روحاني سينجح في تطبيق سياساته الداخلية والخارجية في ظل هذه التحديات، أم أنه سيفشل في ذلك، كما حصل مع الرئيسين الإصلاحيين السابقين، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ومحمد خاتمي.

المساهمون