حروب أسعار الفائدة

حروب أسعار الفائدة

28 سبتمبر 2018
+ الخط -
بشأن ما يحدث في الأسواق الناشئة، قال وزير المالية المصري، محمد معيط "لدى الاقتصاد المصري مصادر للتعامل مع هذا، وإن هذا له حد أقصى، لذلك فإنه يأمل أن ما يحدث سيتم تصحيحه، ويتجه إلى وضع مستقر، لكنها لو استمرت هكذا، فإنها ستمثل مشكلة لنا".
تعتبر أسعار الفائدة من أهم وسائل السياسة النقدية وأدواتها لمكافحة التضخم، حيث تساعد زيادة أسعار الفائدة الدائنة الأفراد على اتخاذ قرارات بزيادة حجم مدخراتهم لدى الجهاز المصرفي، نظراً لإرتفاع العوائد عليها، خصوصا إذا كانت معدلات الفائدة أكبر من معدلات التضخم السائد في الاقتصاد. ونتيجة ذلك، يحدث انخفاض في حجم النقود الموجهة نحو الاستهلاك، وبالتالي تخفيض حجم الطلب الكلي، وتحقيق الاستقرار في مستويات الأسعار وزيادة حجم الاستثمارات، بينما تؤدي الزيادة في أسـعار الفائدة المدينة إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، وبالتالي التأثير في حجم نشاط المشروعات، وخصوصا المشروعات غير الإنتاجية القائمة على الخدمات والتوزيع، والمشروعات الموجهة إلى قطاع بعينه (العقار الفاخر) على حساب باقي القطاعات الأخرى.
والمعروف أن أسعار الفائدة على أذون الخزانة تؤثر على أسعار الفائدة الكلية في السوق، ولنجـاح سياسة استخدام أذون الخزانة في مصر، يتطلب الأمر من الحكومة اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي كانت تكفل تحقيق الرقابـة علـى النقـود بصورة مبكرة، وتمكّن البنك المركزي من التنبؤ بالتطورات التي قد تطرأ على الأسواق النقدية واحتياطياته النقدية، وبالتالي اتخـاذ التدابير الكفيلة بامتصاص السيولة الزائدة أو توفير النقص في السيولة. ومن تلك الإجراءات التي فشلت الحكومة في تحقيقها التنسيق بين المزادات العلنيـة لأذون الخزانة وإدارة الديون المحلية للحكومة، وذلك من خلال إعداد بيان عن التدفقات النقدية الحكومية، والذي يتضمن التحديد المسبق للمصروفات الحكومية والإيرادات والمنح والمساعدات والقروض المحلية والأجنبية، بما يضمن تحديد حجم أذون الخزانة الملزم بيعها بهدف تحقيق الاستقرار فـي الاقتصاد الوطني. كذلك فشلها في العمل على تطوير الأسواق المالية وكفاءة عملها حتى يصبح لها دور هام يعكس مدى فعاليتها في التأثير على الأسواق المالية، حيث أنّ التسيير الدقيق لعملية المزادات العلنية لأذون الخزانة والسندات، يمكّن أسعار الفائدة عليهما من أن تعكس الوضع الحقيقي لحال الأسواق النقدية في البلد.
قرار البنك المركزي المصري تثبيت سعر الفائدة، إذا اتخذ، هو قرار غير موفق في الوقت الحالي، على الحكومة أن تعلم، أن الاقتصاد في مصر ليس البورصة أو قطاع بعينه (العقاري)، فالتضخم مرتفع وأعلى من النسب المعلنة بكثير، وسعر الفائدة الحقيقي سالبا. هذا هو ما تحاول أن تخفيه الحكومة، لأسباب أنّ التضخم في مصر تضخم مركب، وما يحدث الآن معالجة الطلب والعرض وعوامل الانتاج منه، أما الأصعب في المعالجة ويحتاج إلى وقت ولم يأتي دوره، هو الجزء النقدي منه، أي ذاك الراجع إلى الإفراط في إصدار النقود، وعن اتبـاع الحكومات سياسـات تمويـلية تضخمية، فارتفاع معامل استقرار النقود في الاقتصاد الذي هو فوق معدله الطبيعي أصلا، وهو ما يؤكد ذلك، حيث يمكن من خلاله قياس الفجوة التضخمية، فالزيادة في كمية النقود المعروضة بنسبة أكبر من الزيادة عن الناتج المحلي الإجمالي، توّلد فـائض طلـب يـدفع بالأسعار نحو الارتفاع، ويتحقق ذلك من خلال الزيادة في حجم الطلب الكلي على السلع والخدمات فـي الاقتـصاد بنسبة تفوق الزيادة في كمية السلع والخدمات المعروضة، والذي يعد نتيجة لاختلال التوازن بين تيار الإنفاق النقدي والتيار السلعي، عندما تكون قيمة معامل الاستقرار النقدي مساوية للصفر، هذا يعني أن هناك توازن اقتصادي، وعندما تكون قيمته موجبة، فإن ذلك يؤكـد علـى وجود ضغوط تضخمية، وهي ضغوط تزداد كلما زاد الرقم عن الواحد الصحيح، فبقسمة معدل النمو السنوي للمعروض النقدي في مصر 20%، على معدل النمو السنوي للناتج المحلي 4.6% المتوّقع، تعرف أنّ معامل الاستقرار النقدي في مصر، تعدّى نسبته الواحد الصحيح (4.34%)، والتي يجب أن تضاف تلقائيا إلى سعر الفائدة الحالي المعلن من قبل البنك المركزي 16.75%، ليكون سعر الفائدة بعد الإضافة 21 % على أقل تقدير.
الأمر لم يعد متعلقا بمعدلات التضخم فقط، فهناك أمور ظهرت، وهي من الخطورة بمكان ويجب أخذها في الاعتبار، منها، ما يحدث الآن في الأسواق العالمية، وخاصة اقتصادات الأسواق الناشئة، من هبوط حاد في قيمة عملاتها، نتيجة لنفس الأخطاء التي يطبّقها الاقتصاد الوطني واعتماده على الاستثمار الأجنبي الغير مباشر (الأموال الساخنة)، الذي فتح له الأبواب بدون ضوابط وكان خطأ كبير، وخاصة أذون الخزانة التي تقدّر وحدها بـ 23 مليار دولار حسب البيانات الأخيرة، فحال خروجها من الأسواق المالية، إذا أقدم البنك المركزي المصري على خفض أو تثبيت سعر الفائدة، مع قيام كثير من الاقتصادات الناشئة برفع أسعار فائدتها بنسب غير معهودة كما فعلت الأرجنتين التي رفعت الفائدة إلى 60%، وتركيا إلى 28% وغيرها من الدول. هنا قد تكون الكارثة، المتمثلة بخروج جماعي لتلك الإستثمارات إلى هذه الأسواق من أجل الربحية، أو الأسواق الأكثر أمانا، وبالتالي هبوط الجنيه إلى مستويات قد تتعدى 25% من قيمته الحالية أمام الدولار، فالفترة القادمة وما يصاحبها من أزمات مالية، قد تشهد ارتفاعات متوالية غير مسبوقة لأسعار الفائدة قد تقوم بها كثيرا من الدول، اعتقادا منها أنّ ذلك سيحافظ على وضعها المالي والنقدي في الأسواق، أو بمعنى أصح فترة "حروب أسعار الفائدة". إذن يجب على الحكومة أن يكون لها رؤية مستقبلية واتخاذ كافة التدابيراللازمة لتثبيت سعر الجنيه أمام العملات الرئيسية.
04962194-B326-404B-8E6A-BE9981B50615
04962194-B326-404B-8E6A-BE9981B50615
أحمد البهائي (مصر)
أحمد البهائي (مصر)