حرائق سورية... مأساة جديدة في البلد المنكوب

حرائق سورية... مأساة جديدة في البلد المنكوب

10 سبتمبر 2020
ثمة إهمال من قبل النظام السوري في العمل على مكافحة الحرائق (Getty)
+ الخط -

غابت الطائرات المروحيّة التي استخدمها النظام السوري لتدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها، عن سماء محافظات اللاذقية وحماه وطرطوس، والتي يفترض ألا تفارق السماء قبل إخماد الحرائق المشتعلة منذ أيام، والتي دمرت غابات بأكملها وأتت على آلاف الهكتارات من الغطاء النباتي في البلاد، محولة هذه الغابات إلى رماد أسود يحكي مأساة سورية جديدة. 
في هذا الإطار، تتحدّث المهندسة الزراعية وابنة مدينة اللاذقية هنادي زحلوط عن الحرائق التي اندلعت في الريف، وامتدت إلى مناطق في ريف حماة. تقول لـ "العربي الجديد": "الحرائق بدأت بفعل فاعل وبشكل مباشر، والاستفادة التي تحدث من أمر كهذا تتمثّل في بيع الفحم كما يحدث في كل عام. وهناك عمليات تأجير للأراضي عقب الحرائق، بعدما يستولي عليها البعض". وتضيف: "تعد المنطقة التي حدثت فيها الحرائق في ريف اللاذقية، خصوصاً المنطقة المحترقة في صلنفة ومحمية الأرز والشوح نادرة. عام 1996، أعلن أن مساحتها 1000 هكتار، وكان يفترض أن تصل إلى نحو 20 ألف هكتار كما هو مخطط لها. إلا أن ذلك لم يتحقق بسبب التعديات التي شهدتها مرّات كثيرة، هي التي تضم أنواعاً نادرة مثل أزهار البيونيا وأشجار القيقب. أما على السفح الشرقي لجبال اللاذقية، فيزرع الأرز والشوح، ويعيش العديد من الحيوانات النادرة والمهددة بالاختفاء، منها الدب السوري. في المقابل، فإن بعض الحيوانات ما زالت موجودة كالأرنب والغزال الجبلي. وهناك طيور قليلة الوجود في أماكن أخرى من سورية وهي: أبو الحن والشحرور والغربان والنسر الأقرع. لذلك، فإن المنطقة التي احترقت تعد مهمة جداً وفريدة". 
وتتحدّث زحلوط عن بعض المخاطر التي تهدّد المنطقة على خلفية هذه الحرائق، "فهي ذات مناخ متوسطي رطب جداً، وهطول الأمطار السنوي فيها يصل إلى نحو 1500 ميليمتر، ما يؤدي إلى زوال الغطاء النباتي وحدوث انجرافات واسعة للتربة تهدد القرى المجاورة". وأصدر فوج الإطفاء في اللاذقية بياناً جاء فيه أن الحريق الضخم في قرى شطحة وعين الكروم وعدد من القرى المجاورة في سهل الغاب في الريف الغربي لمحافظة حماة اتجه نحو اللاذقية، بسبب تغير حركة الرياح. وانتشرت فرق الإطفاء في اللاذقية في مناطق الشعرة وصلنفة وجوبة غربال بهدف إخماد الحريق. أضاف فوج الإطفاء أن سبعة حرائق كانت قد اندلعت يوم الإثنين الماضي في مناطق مختلفة من ريف اللاذقية تم إخمادها. ووقعت حرائق أيضاً خلال الأيام الأربعة الماضية في كل من قرى صلنفة والبسيط والبدروسية والغنيمة وبكراما والدليبات، إضافة إلى القموحية وبيادر الذرة ونبع الخندق. وما زالت الحرائق منتشرة في الريف الشرقي للمحافظة. 

وكان مدير الزراعة في محافظة اللاذقية منذر خير بك قد أوضح في حديث لإذاعة "شام إف إم" المقربة من النظام، أن "حريق محمية الأرز والشوح في ريف اللاذقية هو نتيجة إهمال أحد الزوار الذين يرتادون المنطقة"، مشيراً إلى أنّ "المحمية لم تتعرض للأذى من جهة محافظة اللاذقية، وإنّما الضرر الأكبر كان من جهة محافظة حماة"، لافتاً إلى أن المحمية تضم ما تبقى من أشجار الأرز والشوح.  

تقاعس النظام 
وتعليقاً على تصريح خير بك، يقول مواطنون إن كلامه مجرّد حقن مهدئة لا أكثر، والحريق الذي وقع في المحمية سببه المفاحم (ورشات يتم تحويل الخشب فيها إلى فحم) في الدرجة الأولى، وإهمال المسؤولين عن المحمية في الدرجة الثانية. كما يفترض أن يمنع حراس المحمية دخول أي أحد إليها. لكن التسيّب والتواطؤ بين حراس المحمية وأصحاب المفاحم هو الذي أدى إلى هذه الكارثة، مؤكدين أن حجم المساحات والضرر أكبر من الذي أعلنت عنه الجهات المسؤولة التابعة للنظام السوري. من جهته، يوضح إبن ريف اللاذقية طارق، والذي تحفظ على ذكر اسم عائلته، لـ "العربي الجديد": "للأسف الشديد، سنخسر كل أشجار الشوح والأرز في المحمية. فالمنطقة لم تعد تنمو فيها أشجار جديدة كما في السابق. وفي الوقت الحالي، ساهمت الحرائق في إبادة تلك الأشجار ما سيؤدي إلى تغير ملحوظ في مناخ منطقة صلنفة. والمنطقة عبارة عن محمية يمنع دخولها إلا لأسباب علمية. هكذا قالوا لنا في السابق. وتشيرالأخبار المتداولة إلى أن أسباب الحريق هي السعي للحصول على الفحم".  

 أطلق أهالي مصياف نداءات استغاثه عبر مواقع التواصل الاجتماعي


وبدا لافتاً غياب الطائرات المروحية التي يفترض أن تساهم في إطفاء الحرائق الضخمة في مناطق اللاذقية وحماة وطرطوس، والتي برّرت أفواج إطفاء النظام عدم استخدامها بضعف الإمكانيات المتاحة. وانتقدت جهات عدة الدور الروسي في المنطقة، باعتبار أن الطائرات الروسية ساهمت في وقت سابق بإطفاء حريق اشتعل في منطقة صمنداغ التركية في إقليم هاتاي جنوبي البلاد، والمتاخم لريف محافظة اللاذقية الشمالي، من دون التدخل في إخماد الحرائق المشتعلة في سورية، علماً أن روسيا حليفة للنظام السوري. ونشرت صفحات إعلامية موالية للنظام صوراً تظهر عناصر من قوات الأمن التابعة له يحاولون إخماد النيران من خلال استخدام العصي، في ظل غياب صهاريج المياه وسيارات الإطفاء في بلدة عين حلاقيم التابعة لمنطقة مصياف في ريف حماة، الأمر الذي أثار تساؤلات عن مدى جدية النظام السوري في التعامل مع الحرائق ومنع وقوع كارثة بيئية. 

أكثر من 400 حريق في طرطوس 
يقول رئيس دائرة الأحراج التابعة لحكومة النظام السوري في محافظة طرطوس حسن ناصيف، إنه منذ بداية الصيف وحتى الوقت الحالي، عملت مراكز الحماية التابعة لمديرية الزراعة في المحافظة على إخماد أكثر من 316 حريقاً في أراض زراعية، وأكثر من 55 حريقاً في مناطق حرجية حتى تاريخ السادس من سبتمبر/ أيلول الجاري، محملاً المسؤولية للمزارعين الذين يشعلون النار في أراضيهم قبل موسم جني الزيتون لتنظيفها من الأعشاب. في المقابل، يقول مصدر من فوج إطفاء طرطوس لـ "العربي الجديد" إنّ "هناك أعطالاً تواجه سيارات الإطفاء في محافظة طرطوس، ونقصاً في المعدات وعدد صهاريج المياه التي يجب استخدامها في عمليات الإطفاء. كما تتعطل السيارات خلال توجهها لأماكن الحرائق، الأمر الذي يعيق التعامل مع هذه الحرائق وإخمادها في الوقت المناسب قبل امتدادها واتساع رقعتها". يضيف المصدر أن "المشكلة الكبرى تكمن في أن مناطق وقوع الحرائق هي مناطق جبلية وعرة، كان من المفترض أن تكون مجهزة بوسائل خاصة لمثل هذه الحوادث، وعدم وجودها يستدعي إجراء تحقيقات واسعة لمحاسبة الفاسدين والمقصّرين. والمحزن أن في بعض المناطق التي لم يكن هناك فرصة لرجال الإطفاء للوصول إلى أماكن انتشار الحريق فيها، كان يتم الانتظار حتى تقترب النيران قبل التعامل معها، ما زاد من اتساع المساحات المحروقة". 

حجم الضرر أكبر من الذي أعلنت عنه الجهات المسؤولة التابعة للنظام السوري

نداءات استغاثة في مصياف  
خلال الأيام القليلة الماضية، أطلق أهالي منطقة مصياف التي تتبع محافظة حماة نداءات استغاثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بهدف السيطرة على تمدد النيران في بعض البلدات والقرى التي هددتها الحرائق. من جهته، قال عضو المكتب التنفيذي في محافظة حماة عن قطاع الزراعة رفيق عاقل، في تصريح لإحدى الإذاعات المحلية، يوم الإثنين الماضي، إن "هناك الكثير من المناطق التي لا يمكن إطفاء النيران فيها إلا من خلال اليد العاملة نظراً لوعورتها الشديدة، ونحن نتعامل وفق الإمكانيات المتاحة والتي ليست بالمستوى المطلوب لإطفاء الحريق بالسرعة المطلوبة". أضاف أن "هناك نية في المستقبل لإنشاء نقاط إطفاء خاصة في الأحراج في منطقة الغاب ومصياف. وقد وضعنا الخطط لإطلاق حملة تشجير كبيرة جداً بالتعاون مع المجتمع الأهلي مع بداية العام المقبل وموسم الزراعة، لإعادة تشجير المناطق التي تعرضت للحرائق".    
وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي موجة شديدة من الانتقادات الموجهة للنظام من جراء بطء عملية إطفاء الحرائق، في ظل غياب مشاركة المروحيات بعملية الإطفاء، قبل أن تبدأ مروحيتان في مصياف بعد ظهر يوم الثلاثاء الماضي بالمشاركة في إخماد الحرائق المنتشرة في المنطقة. 

وجاءت مشاركة المروحيتين بدون فعالية تذكر بسبب التأخير في قرار استخدامهما من جهة، ومحدودية قدرتهما على السيطرة على أي جزء من الحريق من جهة ثانية. وأوضحت وسائل إعلام محلية محسوبة على النظام أن "مروحيات تابعة للقوات النظامية أقلعت من مطار حماة العسكري متجهة إلى ريف الشيخ بدر في محاولة لتعبئة المياه من سد الصوراني للمساعدة في إطفاء الحرائق في أحراج الحيلونة واللقبة في منطقة مصياف"، لافتة إلى أن عناصر من القوات النظامية شاركت مع فرق الإطفاء والدفاع المدني في عمليات فتح خطوط المياه في محيط بلدة حزور جنوب غرب مصياف، في محاولة للحد من انتشار النيران. من جهته، قال وزير الزراعة السوري السابق أسعد مصطفى، والمعارض حالياً، في حديث سابق مع "تلفزيون سوريا": "استناداً إلى المعلومات، فإن الحرائق بدأت من جبال صلنفة، ما يسقط فرضية أن تكون ناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة، التي قد تكون سبباً في حدوث حريق في سهل الغاب مثلاً أو حمص". ولفت إلى أن "للحرائق في تلك المنطقة قصة طويلة بدأت في عام 1970 وعلى مدى عشر سنوات. وكانت كلها بفعل فاعل. والأهداف هي الاستيلاء على الأراضي"، معتبراً أن "من يريدون السيطرة على الأراضي هم المتنفذون في النظام". 
ورأى أنّ هناك احتمالاً بأن يكون "الهدف إقامة منشآت سياحية أو دينية وحتى عسكرية بسبب موقعها الاستراتيجي. وغالباً، فإن الحريق اتسع ولم يتمكن أحد من السيطرة عليه، ما أدى إلى وصوله إلى مناطق واسعة"، مقدراً المساحة المحترقة خلال الأيام السابقة بما بين 10 و15 ألف دونم. يُشار إلى أن الحرائق سبق أن التهمت آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية والحرجية، وذلك في العديد من المحافظات منذ بداية فصل الصيف. وكانت الجهات المسؤولة تعزو أسباب نشوبها إلى ارتفاع درجات الحرارة والإهمال.

المساهمون