حامد أبو ظهر.. نجاح لبناني في المهجر اللاتيني

حامد أبو ظهر.. نجاح لبناني في المهجر اللاتيني

15 يونيو 2020
أبو ظهر.. قصة نجاح في المهجر اللاتيني(ناصر السهلي/العربي الجديد)
+ الخط -


قبل نحو 35 سنة، غادر حامد أبو ظهر مدينته صيدا، 1985، للدراسة في موسكو، ورزق فيها، بعد زواج في 1988 بطالبة كلية الطب البيروفية في حينه غلوريا، بولده الأول منتصر في عام 1990 وهو ما زال طالباً.

بعد إنهاء الدراسة حمل أسرته الصغيرة إلى "بلدي الحبيب لبنان، مفتخراً بعروبتي على أمل أن ألقى فيه عملاً، وبعد وعود كثيرة، ونتيجة انقسامات كان يعاني منها البلد لم أحصل على العمل". وكغيره من الشباب العربي الباحث عن حياة ونجاة لأسرته راح أبو حامد يبحث خلف الحدود عن عمل.
فرحلة لبنان، الذي عدل فيه شهادته، واصطحب إليه طفليه، منتصر وماليك، وزوجته البيروفية، التي تركت موطنها وأهلها لتعيش معه في بلده، لم تكن كما تمناها ضيف "جاليات-العربي الجديد" الذي يأمل تدريس القانون الدولي في جامعات البلد. فالدنيا "اسودت أمامي، أفكر بتربية طفلي، وبدل تحقيق الأحلام عاشت غلوريا وابناي الصغيران، أهوال حرب دولة الاحتلال على لبنان في (عملية عناقيد الغضب في 1996)".


الهجرة مجدداَ
كان من الممكن لدكتور القانون الدولي أن ينطلق إلى ليما، مسقط رأس زوجته، التي لم يزرها آنذاك سوى مرتين، لكنه فضل بلده، وفيه عاش خيبة يعيشها عشرات آلاف الخريجين العرب. فإلى العاصمة الكوبية هافانا انطلق وحيداً، تاركاً زوجته خلفه في بلده، يتشبع فيه "الولدان ثقافة ومعرفة الأهل".

في كوبا بدأ رحلة "من الصفر"، كما يصفها. ولكي يخرج من لبنان إلى هافانا ادعى "إجادة الإسبانية، وتلك كانت الكذبة الأولى والأخيرة في حياتي، فلم أكن أجيد من الإسبانية سوى كلمات، تعلمتها من غلوريا، وكنا نتحدث الروسية أصلاً". في هافانا، التي كان من المفترض أن يُدرس فيها غيره الإسبانية، وجد نفسه يكافح لتعلمها "7 أيام في الأسبوع وأنا منكب على اللغة، وخلال 3 أشهر كنت قد تعلمتها، لأنطلق إلى الشارع للعمل، وعقلي عند أسرتي في لبنان".

ولم يحبطه "الصفر" الذي انطلق منه، فأسس ابن صيدا شركته الصغيرة في هافانا. وبعد عام واحد فقط أصبح أبو ظهر مستقلاً مالياً وفتح أبواب تصدير نحو البيرو، التي كانت أصلاً تعاني من حالة عنف سياسي معروف.

ويذكر أبو ظهر أنه خلال إقامته في هافانا "لم أخجل من العمل مطلقاً، فالحياة رحلة كفاح يجب خوضها، وبعد فترة قصيرة استطعت من خلال شركتي التجارية الصغيرة أن أحصل على وكالة "هافانوس" للسيكار الكوبي وملحقاته في البيرو".

من لبنان إلى هافانا، التحقت به زوجته غلوريا وطفلاه في 1998، وفيها ستولد ابنته فيفيان 2001، ويصير لديه 3 أبناء ولد كل منهم في بلد، إذ إن الابن الأوسط ولد في البيرو خلال إحدى الزيارات إلى البلد عام 1995.

ومن الكاريبي، انطلق أبو ظهر بأسرته ليتعرف أكثر إلى حمويه المسنين في البيرو، غلوريا (التي سمت ابنتها على اسمها، وكانت عالمة لغات في جامعات بيرو) وحايمي (المهندس الميكانيكي الذي فرض قبل 60 سنة على أبيه الإقطاعي من أصل لبناني تخصيص قطعة أرض ليبني عليها جامعة لفقراء شمال البيرو في كاخاماركا وتسمى اليوم باسمه)، وكانت فيها الانطلاقة "ففي ليما كنت بدأت بما يشبه استئجار زوايا في المولات (مراكز التسوق)، قل أشبه ببسطة لتسويق ما نستورده من هافانا".
محاولات لتجميع طاقات اللبنانيين في اللاتينية (ناصر السهلي) 

 









توسعت أعمال أبو ظهر مع إصراره على خلق مكانة له في اغترابه البيروفي، حتى امتدت أعماله التجارية نحو الإكوادور التي ستهاجر إليها أخته ونحو بوليفيا التي حضر إليها أخوه، ليكونا إلى جانبه في تجارته. وخلال الأزمة المالية العالمية 2008 التي ضربت البيرو أصرّ على "شراء المحال التجارية المستأجرة لعرض ما استورده في هافانا"، ليصير لديه أكثر من فرع لهافانوس داخل ليما.

يقدر أبو ظهر كثيراً انفتاح بيرو على العرب، وسعى لسنوات إلى ما يسميه "خلق نموذج تكاتف بين العرب، فالجالية اللبنانية صغيرة، والكبرى هي الفلسطينية، ورغم ذلك فقد سعينا لتوطيد العلاقة بين قدماء المهاجرين، وأغلبهم من مسيحيي المشرق العربي، والمهاجرين حديثاً من المسلمين، مع إظهار الاحترام لشعب بيرو ومؤسساته التي قدمت الكثير من التسهيلات التي يصعب أن يجدها بعض العرب في بلدانهم الأصلية مع الأسف".


قنصل لبنان
لسنوات ظل اللبناني أبو ظهر مهموماً بحالة الذوبان التي عاشها لبنانيو اللاتينية في المجتمعات المُضيفة "فأنت أمام أجيال من الهجرة، توفي الجيل المهاجر الأول والثاني، وبدأت الأجيال التالية تخسر صلاتها بوطنها الأصلي، وعليه كنت دائماً مهموماً بطريقة الإبقاء على روابط اللبنانيين بأصولهم".

لم يتردد في نهاية العام الماضي 2019، في "مؤتمر الجالية" في ليما وأمام مندوبي الجاليات اللبنانية من أميركا الوسطى والجنوبية، ومن نخب أكاديمية وسياسية وتجارية، وممثلي "الجامعة الثقافية العالمية اللبنانية"، من دول عديدة من حول العالم، في أن يحث الحاضرين على الاقتداء بالنموذج الفلسطيني اللاتيني لناحية التمسك بالجذور وتنظيم أحوالهم "فالاستثمار ليس أن تذهب وتستثمر مالاً في بلدك لبنان، فما هو مطلوب منكم، إلى جانب احترام للدول المضيفة التي فتحت أمامنا الفرص، الاستثمار في إرسال الأبناء لزيارة وطنهم ليتعرفوا إليه عن قرب".

يتحدث الرجل إلى الحاضرين بصفته "قنصل لبنان" في ليما. ولذلك قصة، ففي نشاط الرجل ما أثار انتباه الرئيس اللبناني السابق، ميشيل سليمان، أثناء انعقاد القمة العربية-اللاتينية في ليما عام 2013، والتي لعب فيها أبو ظهر دوراً ملموساً مع الوفود العربية، ومرافقة وزير خارجية البيرو نحو دول عربية للتحضير للقمة، فاقترح سليمان على البيرو أن يكون الدكتور أبو ظهر قنصل لبنان في البلد.

وحتى بدون تلك الصفة الرسمية الدبلوماسية، التي تأخر توقيعها حتى 2018 بسبب الفراغ الرئاسي في بلده، ظل الرجل ساعياً في مصالح أبناء بلده والعرب عموماً ووضع خريطة للوجود اللبناني في بيرو، والبحث عمن هم من جذور لبنانية وسورية (من قبل تقسيمات بلاد الشام).
تكريم للقنصل حامد أبو ظهر في ليما(ناصر السهلي) 


 








تتشعب علاقاته اليوم بلبنانيي "الدياسبورا" كما يطلق عليهم، من الكاريبي إلى الأرجنتين جنوباً، معتبراً أن للجاليات العربية دوراً كبيراً حين يتاح لها لعبه "فنجاح مغتربي هذه المنطقة من العالم دليل على قدرات هائلة لدى العرب، وخذ الدياسبورا الفلسطينية في هذا الجزء من العالم لتكتشف تلك القدرات، وكيف يرسل هؤلاء الأبناء كل عام إلى مدنهم وقراهم ليتشبعوا ويتعرفوا إلى بلادهم".

تبقى الإشارة إلى أن رسالة الدكتوراه التي قدمها أبو ظهر حملت، بعد انطلاق مؤتمر مدريد للسلام وتوقيع اتفاقية "أوسلو"، عنوان:" التكامل الاقتصادي العربي-الإسرائيلي من وجهة نظر القانون الدولي"، وفيها خلص الرجل إلى أن دولة الاحتلال لن تأتي إلى السلام بل ستذهب نحو مزيد من قضم الأرض الفلسطينية.

ويحث أبو ظهر المغتربين العرب، في أميركا اللاتينية وأوروبا وغيرها، على الاندماج في مجتمعاتهم المستقبلة "والتي قدمت الكثير لنا، وبنفس الوقت ألا ينسلخ ويذوب العرب في مجتمعات سريعة الامتصاص والدمج، كأميركا اللاتينية التي تشبهنا، وأشجع اللبنانيين وغيرهم لزيارة بلادهم مع الأبناء، ولو مرة واحدة في العام، لتبقى للأجيال الجديدة على معرفة بجذورها وثقافتها ولغتها".

صيداوي-عكاوي
 رغم انشغالاته في تأسيس حياته في المهجر، ظل حامد أبو ظهر ملتصقاً بهمومه العروبية، فتراه يتحدث عن فلسطين أكثر من حديثه عن أية قضية عربية. وتجده يحاول أن يبني جسوراً بين أبناء بلده، وبينهم وبين الجاليات الفلسطينية في عموم أميركا اللاتينية. بل لعل من الغريب أن يلتقي "جاليات" بالرجل في "النادي العربي الفلسطيني" في ليما، وهو يقضي فيه وأسرته كل أيام العطل، ويقول: "أنا من صيدا العكاوية، ففلسطين بالنسبة إليّ وطن وقضية، وامتداد حقيقي وصادق لعروبة مشرقنا العربي كله". وفي ليما تتعزز علاقة الرجل بجالية عربية قديمة، فعدد اللبنانيين، أو مَن هم من أصول لبنانية، قليل مقارنة بأكبر الجاليات العربية، وهم الفلسطينيون. ولا يتردد أبو ظهر بالقول إنه "لا فرق بين صيدا وعكا بالنسبة إليّ، فكلنا كنا ننتمي إلى فلسطين قبل أن يضعوا هذه الحدود بين دولنا".

في عام 2012 سيؤسس الدكتور أبو ظهر "الغرفة التجارية العربية-البيروفية"، وهي "لتعزيز العلاقة بين العالم العربي والبيرو، ومنح فرص لهؤلاء العرب الباحثين عن استثمار في عموم أميركا اللاتينية". وبعد سنوات من العيش في البيرو، يقول أبو ظهر إنه "بلد يشبهنا كعرب، فشعبه طيب ومنفتح ولا يعرف العنصرية، على عكس مغتربات عربية أخرى في الغرب، وسياساته بالنسبة إلى القضايا العربية، وخصوصاً فلسطين، سياسات متقدمة، واعترف بدولة فلسطين وافتتحت فيها سفارة.

هذا إلى جانب وجود جالية فلسطينية قوية وراسخة المكانة والقدرات في البلد، وحصلت على اعتراف رسمي وفتح سفارة لفلسطين في 2011". ويتدخل الرجل في مساعدة أي لبناني، بغضّ النظر عن جذوره، ولا سيما ممن هم في سجون البيرو، بمن فيهم المتهمون بدعم تنظيمات بعينها.

دلالات

المساهمون