حالة الاتحاد بين المصداقية والبروباغندا

حالة الاتحاد بين المصداقية والبروباغندا

13 فبراير 2019
+ الخط -
من المعلوم بداهة أن هذا الإجراء البروتوكولي يفترض في الرئيس بيان حالة الأمة، والكشف عن تصوراته للأجندة التشريعية والأولويات المستقبلية، بكل تجرد أمام الجلسة المشتركة للكونغرس بنوابه وشيوخه في مبنى الكابيتول، ولكن باستعراض خطاب حالة الاتحاد، هل كان الأمر كما يفترض، دعونا نتأمل التالي:

بدت الموضوعات المطروقة من قبل الرئيس تتمحور في سياقات عدّة، منها ضرورة كسر الجليد السياسي، والوصول لتسوية مسألة الهجرة، ومواصلة تشييد الجدار الحدودي، وإنهاء أزمة الإغلاق الحكومي، والتباهي بتقدم المحادثات مع طالبان، والتبجح بشعار مصالح أميركا أولاً وتسويق مكافحة الإرهاب، وتبرير الانسحاب من سورية، والافتخار بتحجيم تنظيم الدولة، وتزكية التدخلات في الشأن الفنزويلي، والترويج لموعد ومكان القمة مع الرئيس الكوري كيم جونغ أون في 27 من فبراير/شباط الجاري بفيتنام، والزهو بانخفاض نسبة البطالة وانخفاض معدلات عجز الميزان التجاري وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي.

في حين تم توظيف مرور نصف قرن على النزول لسطح القمر كما لو أنه حصل لتوه، ودغدغة مشاعر الناخب الأميركي بتلميع التوسع في أدوار المرأة وحيازتها الوظائف، والمناداة بتمكين المرأة في الدول النامية والدعاية لحملات مواجهة المخدرات والأيدز والإجهاض وتحسين الرعاية الصحية للجميع وخفض كلفها وكلف الدواء، وهي إجراءات يتم التباهي بها لدى حكومات دول العالم الثالث.


والتصريحات الجوفاء بالتركيز على الشأن الداخلي لا الخارجي، في ظل مواجهة أنظمة شمولية تتقن الإفلات من سياسة الاحتواء، كإيران وفنزويلا وكوبا.

ما الذي لم يقله ترامب؟
حرص في استهلال خطابه على بعث رسائل الاطمئنان بازدهار الاقتصاد الأميركي مع أن المفارقة الصارخة تكشف خلاف ذلك، فحصول المعجزة الأميركية، وانخفاض البطالة لأدنى مستوى لها منذ نصف قرن تم عن طريق سرقة السعودية، وقد فاته التذكير بالمقامرة السياسية بصفقات السلاح على حساب أرواح الصحافيين أمثال خاشقجي، وتقبل نظام الأسد على الرغم من الكلفة الدموية الكبرى في الجغرافية السورية، وتزكية والتهليل لما لم يتضح بعد بخصوص التأزم مع كوريا الشمالية، ومحاولة تجاهل اهتزاز العلاقة بينه وبين أجهزة الاستخبارات التي أعطت تقييمات مخالفة لتصوراته في نطاق سورية وتنظيم الدولة وخاشقجي، وتسرعه في الانسحاب من بعض الاتفاقيات الدولية التجارية، وعدم مصداقية ادعاءاته بإنفاق سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط، ناهيك عن أطول فترة إغلاق حكومي في تاريخ الاتحاد الأميركي، بالإضافة لشيطنته للتحقيقات الفيدرالية التي أجراها المدعي الخاص روبرت مولر بشأن التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الأميركية، واتصالات حملته الانتخابية بروسيا، وسط دعوات جادة لعزله من منصبه، ورفض الكونغرس تمويل جداره المقترح مع المكسيك، مع تراجع مؤشرات الأسهم الأميركية خلال أربعاء حالة الاتحاد، في أعقاب تحليل المستثمرين لخطابه.

ولا يمكنه تناسي أنه عمل على تحجيم الرعاية الصحية بعد تآمره على نظام أوباما، وليس من المناسب التباهي الاستعراضي بمرور نصف قرن على النزول لسطح القمر، وأن أميركا المنتج الأول للنفط والغاز الطبيعي وأن جيشها هو الأقوى على سطح الأرض!

فالعمل على إنهاء برنامج الهجرة العشوائية وتطبيق هجرة الجدارة والكفاءة، تم التنظير لهما تحت توصيف أنه لا مانع في القدوم إلى أميركيا بأكبر عدد ممكن، لكن بطرق قانونية، وكل ذلك يحمل ضريبة إنسانية كبرى في دول العالم الثالث وقوارب المتوسط خير شاهد على ذلك، وما زال معتقل غوانتانامو مفتوحا، وما زلنا نقترب يوما فيوم من حالة الطوارئ، ولا يمكن تناسي أن المعاناة من الخارجين عن القانون إنما تنبع من مسؤوليته عن السماح بحمل السلاح.

أما الفلسفة اللغوية بالقول نحن نسير على مقاربات مقتبسة من الواقعية وليست من التجارب، والقول إن الأمم العظيمة لا تخوض حروبا من دون نهاية، ونحن نعمل على زعزعة الأنظمة الديكتاتورية، ونحن نفعل المدهش ونتحدى المستحيل ونغزو المجهول، ونسألكم أن تختاروا العظمة لجعل أميركا أمة عظيمة، فتلك جمل وصفية إنشائية لا تغير من واقع الحال شيئا جنبا إلى جنب مع اعتقاده بان تغريداته التويترية من شأنها تحريك السياسات الدولية.