جنرالات إسرائيل... تجّار سلاحٍ يغذّي حروب العالم

جنرالات إسرائيل... تجّار سلاحٍ يغذّي حروب العالم

05 سبتمبر 2015
يستفيد الضباط من علاقاتهم بعد التقاعد (عبير سلطان/فرانس برس)
+ الخط -
تعيد فضائح البريغدير جنرال، غال هيرش، وتورطه في صفقات سلاح مشبوهة، ودفع رشاوى لكبار المسؤولين في الدول التي نشطت شركاته فيها، وفي مقدمتها جورجيا وكازاخستان، طرح موضوع تجارة السلاح من قبل ضباط وجنرالات جيش الاحتلال من المتقاعدين، مستغلين رتبهم العسكرية، وعلاقاتهم مع المؤسسة العسكرية، ليصبحوا تجار سلاح عالميين.
وكشفت الصحف الإسرائيلية، أخيراً، بعد ترشيح هيرش، من قبل وزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان، لمنصب المفتش العام للشرطة الإسرائيلية، سجل هيرش في تجارة السلاح وتدريب القوات الأجنبية في جورجيا، وأن مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي يحقق في نشاط 20 شركة إسرائيلية على الأقل، عملت في تجارة السلاح وقامت ببيع أسلحة أميركية الصنع عبر صفقات غامضة تخللها دفع الرشاوى واعتماد طرق غير قانونية.

اقرأ أيضاً: حرب لبنان الثانية تطارد المرشح لقيادة الشرطة الإسرائيلية

وأدى ذلك إلى اضطرار إعلان وزارة الأمن الإسرائيلية أنها لم تكن على علم بالتحقيقات في نشاط هيرش، علماً أن صحيفة "هآرتس" أشارت يوم الجمعة إلى أن مكتب التحقيقات الفدرالية "إف بي آي" قدم لقسم الجرائم الخطيرة في الشرطة منذ عام 2013، معلومات تفيد بأن هيرش يواصل عمله في شركته "ديفينز شيلد" التي تختص ببيع السلاح و"التصدير الأمني" بما يشمل تدريب قوات جورجية وليس تزويدها بالسلاح فحسب، عبر نائب وزير الدفاع الجورجي السابق دافيد كزارشفيلي، والذي هاجر إلى إسرائيل وحصل على جواز سفر وجنسية إسرائيليين بعدما بات مطلوباً قضائياً لدى سلطات جورجيا.

لكن أهم ما في هذه القضية هو اعتراف جهات في وزارة الأمن الإسرائيلية، بما سبق أن حدده "مراقب الدولة" عن "المراقبة الرخوة على تجارة السلاح وأذونات تصدير السلاح" التي تمنح في إسرائيل لكل ضابط أو جنرال متقاعد يؤسس شركة تحت مسميات "التصدير الأمني".

وبحسب تقرير نشر قبل ثلاثة أعوام، على موقع القناة الإسرائيلية الثانية، فقد أقر الجنرال احتياط اساف ألموغ بأنه يجد في إسرائيل أكثر من 6784 شخصاً يعملون في تجارة السلاح ضمن نحو 1000 شركة خاصة تتنافس كلها على بيع مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، مع الشركات الرئيسية الثلاث شبه الحكومية: الصناعات الجوية، وسلطة تطوير الوسائل القتالية "رفائيل" و"تاعس" أي الصناعات العسكرية الرسمية إضافة إلى شركة إلفيت التي تعمل على تطوير المنظومات القتالية المختلفة.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تلوّح ببيع أسلحة لجورجيا وأوكرانيا

لكن هذا الوضع القائم اليوم، لم يكن هو السائد حتى أوائل ثمانينيات القرن الماضي، حيث كانت وزارة الأمن الإسرائيلية تحتكر بشكل رسمي عبر الشركات الثلاث المذكورة تجارة السلاح الإسرائيلية، وكانت تحدد وتجيز لعدد محدود فقط من الجنرالات السابقين، التجارة في السلاح، عبر تأسيس شركات خارج إسرائيل لتُبعد الشبهات عن تورط إسرائيل في تجارة السلاح، خصوصاً في دول العالم الثالث، أفريقيا وأميركا الجنوبية تحديداً، مع فرض تعتيم على هذه التجارة غير الرسمية، خصوصاً إذا كانت العقود تبرم مع أنظمة مستبدة في أفريقيا، وعلى رأسها جنوب أفريقيا في حينها، والتي كانت العلاقات بينها وبين إسرائيل رسمية ومكشوفة. كل ذلك على الرغم من مساعي إسرائيل حتى ذلك الوقت إلى التستر على تجارتها بالأسلحة، وبفعل الشروط الأميركية المفروضة على بيع السلاح أيضاً، وخوفاً من وصول تقنيات أميركية وتكنولوجيا متطورة إلى دول تقع في دائرة النفوذ السوفياتي.


وشهدت أوائل التسعينيات تضخماً سريعاً وكبيراً في نشاط تجار الأسلحة الإسرائيلية إلى حد احتلت فيه تل أبيب خلال عقدين، وفق تقارير وزارة الأمن العام الماضي، المرتبة الثامنة في مجموعة الدول المصدرة للسلاح. وساهمت الحروب التي شنتها دولة الاحتلال في المنطقة، خاصة انتصارها في حرب يونيو/حزيران 1967، ولاحقاً الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وقمع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، في الترويج للسلاح الإسرائيلي، وفعاليته، مع تزويد ضباط الجيش والجنرالات المتقاعدين بـ"بطاقة خدمة مثبتة"، وتجربة فعلية في ميادين القتال المختلفة وأشكال القتال المختلفة مثل حرب العصابات، والاجتياحات البرية.

اقرأ أيضاً: جوبا تنفي احتضان قاعدة لإسرائيل:من حقنا شراء السلاح منها

ويندرج في خانة "الاحتفال" الإسرائيلي بـ"إنجازات" أسلحة الدولة العبرية بهدف الترويج لتجارتها، التركيز على منظومة القبة الحديدية، مع أنها من تطوير إسرائيلي – أميركي مشترك. كذلك يساهم السن المبكر (45 عاماً) لخروج الجنرالات والضباط إلى التقاعد، لمن لا يتم ترقيتهم في سلك هيئة أركان الجيش، في خروج المئات من الضباط في كل دورة خارج الخدمة، ويتجه مَن لا ينجح من هؤلاء في الانخراط بالحياة المدنية وكبرى الشركات الحكومية إلى قطاع تصدير السلاح أو "تصدير الخبرات الأمنية".

وأصبحت المداخيل الإسرائيلية من بيع السلاح والخبرات الأمنية وتدريب القوات الأجنبية، بنداً رئيسياً في ميزانية الأمن الإسرائيلية، إذ يصل حجم المبيعات التي تباع رسمياً عبر وزارة الأمن نحو 6.5 مليارات دولار منها 4 مليارات من بيع أسلحة لدول جنوب شرق آسيا، ومليار دولار لكل من الولايات المتحدة وكندا، و700 مليون لأوروبا و220 مليوناً للدول الأفريقية.


وتعترف تقارير إسرائيلية مختلفة بأن الرشاوى والفساد هي طريق أساسي في إتمام صفقات السلاح، خاصة في الدول الأفريقية ودول أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية. وفي هذا السياق، لا يخفي موقع "نيوز" الإسرائيلي، لجوء تجار السلاح الإسرائيليين إلى هذه الوسائل، بما أن "كل شيء مباح في سبيل بيع السلاح وتدريب قوات المرتزقة".

وعلى مر السنوات، تمت إدانة عشرات من تجار السلاح الإسرائيليين بتنفيذ صفقات غير شرعية ومشبوهة، كما أن الغموض لا يزال مثلاً يلف ظروف مقتل مستشار رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق لمكافحة الإرهاب الجنرال عمرام نير عندما انفجرت الطائرة التي كانت تقله فوق أجواء أميركا اللاتينية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. كذلك سبق أن تمّت إدانة جنرال سابق، هو يئير كلاين، بتدريب مليشيات تجارة المخدرات في كولومبيا، وحكم عليه بالسجن، وأطلق سراحه من السجن عام 2010، ثم قضى محكومية أخرى في دولة سيراليون. وينطبق الأمر أيضاً على الجنرال السباق موشيه ساسي الذي عمل مستشاراً للجنرال البيروفي، الدكتاتوري ألبرتو فوجيموري، لكن ساسي تمكن من الفرار بعد سقوط نظام فوجيموري عام 2010.

ولم يرتدع تجار السلاح الإسرائيليون عن بيع "بضاعتهم" لكل من يطلبها بما في ذلك أنظمة دول معادية لإسرائيل. وفي هذا السياق، برزت قضية المظلي السابق في جيش الاحتلال ناحوم منبار الذي اعتقل عام 1997 على يد ضباط "الموساد" بعد ثبات تورطه في صفقات أسلحة شملت أسلحة كيماوية قام ببيعها لإيران عبر نائب وزير الدفاع الإيراني في أوائل التسعينيات مجيد عباس عصفور.


لم تقف الحدود الجغرافية والسياسية حائلاً أمام السلاح الإسرائيلي الذي وصل من نيكاراغوا والبيرو، مروراً بنيجيريا وجنوب أفريقيا وجنوب السودان، وجورجيا وأوكرانيا وحتى دول شرق وجنوب شرق آسيا، من دون أن يقفز عن أكراد العراق ولا نظام إيران. ويعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، وزير الأمن الأسبق، إيهود باراك، أرفع شخصية سياسية وأمنية عملت في تجارة السلاح بشكل رسمي، هو الذي يملك، وفق التقارير الرسمية، أسهماً في عدد من شركات الأسلحة العالمية، منها شركة ‏Cyalume Technologies‏ الأميركية وتصل قيمة أسهم باراك فيها إلى مئات آلاف الدولارات. وكان باراك سلّم أسهمه هذه لشركة باسم بناته الثلاث عندما عاد للسياسة في إسرائيل في 2007، خاصة بعد تعينه وزيراً للأمن في حكومتي إيهود أولمرت وبنيامين نتنياهو.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014، تم نشر تفاصيل حديث هاتفي بين إيهود أولمرت وسكرتيرته، شولا زاكين، اتهم فيه أولمرت، باراك، بتقاضي رشاوى واقتطاع حصة من كل صفقات تصدير السلاح التي تمت أثناء توليه حقيبة الأمن. وادعى أولمرت أن كبار المسؤولين في إسرائيل، بمن فيهم رئيس "الموساد" وقادة الجيش، تحدثوا أمامه عن الشبهات التي تدور حول باراك بهذا الخصوص. إلا أن الأخير نفى ذلك متهماً أولمرت بـ"الغيرة"، وبأنه يسعى لتبرئة نفسه من تهم الفساد التي حوكم بشأنها وأدين بارتكابها.

اقرأ أيضاً: تقرير أممي: السلاح الإسرائيلي يُغذي الحرب الأهلية بجنوب السودان

دلالات