جوبا تنفي احتضان قاعدة لإسرائيل:من حقنا شراء السلاح منها

جوبا تنفي احتضان قاعدة لإسرائيل:من حقنا شراء السلاح منها

23 يوليو 2015
متظاهرون ضد العدوان الإسرائيلي على غزة العام الماضي بالخرطوم(الأناضول)
+ الخط -
نفت دولة جنوب السودان لـ"العربي الجديد"، ما أثارته النائبة في الكنيست الإسرائيلي تمار زندبيرغ، أخيراً، حول استخدام إسرائيل للدولة الوليدة، كقاعدة مراقبة ورصد لعملية تهريب السلاح إلى حركة "حماس" في قطاع غزة عبر الجارة السودان. غير أن ذلك لا ينفي بتاتاً العلاقة الوثيقة بين الاثنين والتنسيق العالي بينهما سواء أكان لاستهداف الخرطوم أو المقاومة الفلسطينية.

وقال وزير الإعلام بدولة الجنوب مايكل مكواي لـ"العربي الجديد" إن إثارة الموضوع في هذا التوقيت بالذات يهدف إلى ضرب علاقات جوبا بالدول العربية، وإظهارها كعدو. ونفى بشكل مطلق أن تكون إسرائيل "قد أقامت محطة في الجنوب لمراقبة السلاح الموجه لحركة "حماس" عبر السودان، أو أننا سمحنا بذلك، لأننا دولة ذات سيادة".

لكن مكواي رأى أن من حق جوبا أن تشتري السلاح من أية دولة بما فيها إسرائيل باعتبارها دولة مستقلة وذات سيادة. واستغرب من انزعاج جيران جوبا بسبب علاقتها مع تل أبيب.

كما استبعد خبراء أمنيون فكرة إنشاء إسرائيل لمحطة في الجنوب لرصد ومراقبة الحدود الشمالية. وقال الخبير الأمني محمد الحسن أحمد  لـ"العربي الجديد" إن "فكرة إقامة إسرائيل لمحطة مراقبة في الجنوب غير واقعية، لأنها لا تحتاج لذلك إذ يمكنها القيام بالمهمة من داخل العمق الإسرائيلي". لكنه أضاف أن ذلك "لا ينفي كون جوبا منفذاً استراتيجياً مهماً لإسرائيل، خصوصاً وأنها تنظر إلى السودان على أنه يشكل خطراً عليها. كما يمثل عمقاً استراتيجياً لمصر". ويتابع "لذا علاقة الجنوب بإسرائيل يمكن أن تشكل خطراً كبيراً للسودان ومصر معاً".

الحلف الوثيق

وكانت زندبيرغ قد أكدت أن جنوب السودان يقدم خدمات أمنية هائلة لإسرائيل، الأمر الذي يفسر حرص رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على مواصلة تقديم الدعم العسكري للدولة الوليدة، فضلاً عن التدريب العسكري.

اقرأ أيضاً: جرائم الحرب في جنوب السودان... بسلاح إسرائيلي

وفي هذا السياق، أكد مصدر في حكومة الجنوب لـ"العربي الجديد " أن 70 في المائة من السلاح الذي وصل إلى جنوب السودان بعد اندلاع الحرب الأهلية كان من إسرائيل، التي ساهمت الحرب في إعادة علاقاتهما الى المسار الطبيعي بعدما توترت على إثر تصويت مندوب جوبا لدى مجلس الأمن الدولي لصالح قيام الدولة الفلسطينية.

وأوضح المصدر نفسه، الذي فضل عدم نشر اسمه، أنه "بعد الحادثة توترت العلاقات مع تل أبيب، رغم أن جوبا أقدمت على إقالة مندوبها لتأكيد رفضها لخطوته. إلا أنه طيلة فترة ما قبل الحرب لم تكن العلاقة مع إسرائيل جيدة، ولم تنفذ إسرائيل أياً من المشروعات التي وعدت بها جوبا، كما لم يتم رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، إلا بعد اندلاع الحرب"، على حد تعبير المصدر نفسه، الذي أضاف "أن تحسن العلاقة من جديد يعتبر نجاحاً لدبلوماسية جنوب السودان".

وتكشف بيانات صادرة عن وزارة الدفاع الإسرائيلي الشهر الماضي عن ارتفاع صادرات السلاح إلى دول أفريقيا خلال العام الماضي بنسبة 40 في المائة، إذ وقعت صفقات بمبلغ 3018 مليون دولار مع تلك الدول مقابل "223" مليون دولار في 2013.

في المقابل، تجاهلت الخرطوم تماماً التصريحات المنسوبة للنائبة الاسرائيلية، ولم تعلق عليها، واعتبرتها "كأن لم تكن" وذلك وفق مراقبين لتشكيك الأخيرة في الخطوة باعتبار أن اسرائيل لا حاجة لها لتلك المحطة نظراً إلى الحدود الطويلة بين الدولتين، فضلاً عن أنّ الأجدى أن تكون في تل أبيب نفسها باعتبار أن الحدود الشمالية للسودان أقرب لها من الجنوب.

ويشكّل الوجود الاسرائيلي في جوبا توتراً بين الحين والآخر بين الخرطوم وجوبا. ويعتبر الملف الجنوبي ــ الاسرائيلي موضوعاً شديد الحساسية بالنسبة للخرطوم، ويرتبط بالأمن القومي السوداني، وتوليه اهتماماً كبيراً، إلى حدّ دفع بها إلى نشر عدد واسع من استخباراتها في الجنوب لمتابعة هذا الملف عن كثب.

وتتهم الخرطوم جوبا بفتح أبوابها أمام إسرائيل مقابل تقديم العون والدعم للحركات المسلحة السودانية. وتقول إن جوبا تحضن تلك الحركات فوق أراضيها بغرض تقوية شوكتهم لزعزعة النظام في الخرطوم، وتعالت هذه الاتهامات خصوصاً في مرحلة انتقال جنوب السودان ليصبح دولة مستقلة.

وقال مصدر في سفارة جنوب السودان في الخرطوم لـ"العربي الجديد " إنّ "الخرطوم سبق أن أثارت مع جوبا أكثر من مرة قضية إسرائيل ودعمها للحركات المسلحة السودانية وفتح الجنوب كمعبر لتلك العلاقة الأمر الذي ظلت جوبا تنفيه تماماً". وكانت الخارجية السودانية قد استدعت سفير جنوب السودان في الخرطوم ميان دوت، وأثارت معه قضية دعم جوبا وإيواء المتمردين السودانيين في أراضيها، وطالبت بإبلاغ احتجاجها للحكومة في جوبا. وجاء الاستدعاء بالتزامن مع ما أثارته البرلمانية الاسرائيلية حول تعاون جنوب السودان في ملف مراقبة السلاح المرسل إلى حركة "حماس".

ونفذت إسرائيل عدداً من الغارات الجوية خلال الأعوام الماضية استهدفت خلالها مواقع عسكرية بدقة، بعضها طال عمق العاصمة الخرطوم، حين قصفت مصنعاً للسلاح "مصنع اليرموك" في العام 2012. كما نفذت عمليات اغتيال شخصيات داخل الأراضي السودانية زعمت أنهم تجار يهربون السلاح إلى فلسطين. ويرى مراقبون أن العمليات التي تنفذها اسرائيل في الخرطوم تتم بدقة وحرفية عالية، الأمر الذي يؤكد أنها نتيجة عمل استخباراتي عالٍ بتنسيق داخلي. وسبق أن انكشف النشاط الإسرائيلي في المنطقة في مطلع ثمانينات القرن الماضي حين تورط الأمن السوداني في عملية ترحيل اليهود الفلاشا من أثيوبيا إلى فلسطين المحتلة عبر السودان.

وبحسب مراقبين، فإن اسرائيل تركز على دول شرق أفريقيا، باعتبارها متاخمة لمدخل باب المندب، الذي تدعي أن تهريب السلاح إلى المقاومة الفلسطينية يتم عبره، فضلاً عن الوجود الإيراني الكبير هناك. وأقدمت اسرائيل على استئجار جزر أرتيرية في منطقة دهلب بغرض مراقبة الحركة في باب المندب، ولعل هذا ما يفسر حرصها على الوجود في جنوب السودان.

اقرأ أيضاً أفريقيا: صراع الجاسوسية على المعلومات والثروات

ويذهب المحلل السياسي عبد المنعم أبو إدريس، إلى القول إن لاسرئيل نشاطاً استخباراتياً  في أي منطقة لها علاقة بمياه النيل، كونها مرتبطة بالأمن القومي المصري. ويوضح لـ"العربي الجديد" أن نشاط إسرائيل الاستخباراتي في السودان قديم ويعود إلى عملية ترحيل اليهود الفلاشا التي انخرط فيها ضباط اسرائيليون. ويتابع أن "تل أبيب تلعب بورقة الجنوب ودول شرق أفريقيا ككل في مقابل ملف الاتفاق الإيراني الأميركي"، مشيراً إلى أن إسرائيل "تتحدث عن حزام الأزمات والذي يمتد من الصومال حتى جنوب السودان".

من جهته، يرى مدير مركز دراسات السلام والتنمية بجامعة جوبا لوكا بيونق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن علاقة جوبا بإسرائيل تمثل عامل توتر بين الخرطوم وجوبا. ويستطرد أن "قرار جوبا ببناء علاقات مع اسرائيل جاء بقناعة أن الخطوة ستقوي أمنها القومي". ويلفت إلى أنه لو كانت العلاقة بين الجارين السودانيين قوية، لكانت جوبا لعبت دوراً هاماً في التقريب بين دولة الاحتلال والخرطوم. من جهة ثانية، يأتي عدم الثقة من العلاقة القوية التي تجمع الخرطوم وإيران، كما يقول بيونق.

المساهمون