جحيم حلب

جحيم حلب

05 مايو 2014
+ الخط -

جحيم حلب لا يشبه أي جحيم آخر. إنه جحيم "فخم" وشديد الإذلال والقهر، كما لو أنه يجب أن يتناسب مع عظمة وعراقة حلب الشهباء، العاصمة الاقتصادية والفنية في سوريا النازفة.

كانت حادثة "كازية" شمس أكثر صورة مُعبرة عن الجحيم الذي يرزح تحته أهل حلب. ففي 24 أبريل/ نيسان تم توزيع مادة البنزين في "كازية" شمس في حلب تحت إشراف قسم شرطة العزيزية (من أهم شوارع حلب )، واصطف الحلبيون الصابرون صبر أيوب ليأخذوا حصتهم من البنزين. بدأ الاتجار بالبنزين كما لو أنه بورصة، وترواح سعر الليتر من 500 ليرة سورية إلى ما لا نهاية. ومن لم يتمكن من تحصيل حصته بيع له الليتر بـ 1500 ليرة سورية.

ثم جاء رجال الشرطة بسياراتهم والفانات الضخمة وملؤوها بالبنزين، وأخذوا يشتمون الناس المتدافعين ليحصلوا على حفنة من تلك المادة، التي أصبحت طموح كل حلبي. وتطور الشتم إلى الضرب بأعقاب البنادق كي ينفضّ الحشد ويتوقف الناس المنتظرون لساعات عن المُطالبة بحصتهم من البنزين. وتطور الاحتقان والغضب إلى حد كبير حين أغمي على مراهق بعد أن تعرض لضرب وحشي من قبل أحد عناصر شرطة العزيزية. ولما أغمي على الطفل، اندفع والده يهاجم عناصر شرطة العزيزية إلى أن تم اعتقاله.

من يتابع ما يكتبه سكان حلب على "فيسبوك" يتعجّب من قدرة هؤلاء العظماء، أبناء حلب الشهباء، على تحمّل كل هذا الفحش في الإذلال. يعيشون أياما" تزيد على العشرة من دون كهرباء. يدفعون أضعافا" ثمن محروقاتهم، في حين أن بقية المحافظات وخاصة الساحل السوري (تحت سيطرة النظام) يدفع السعر الرسمي للمواد. بلغ سعر جرّة الغاز في حلب 15 ألف ليرة سورية أي ما يعادل راتب موظف، بينما سعرها في طرطوس واللاذقية ألف ليرة فقط.

أخبرتني إحدى الصديقات في حلب أنها لم تعد تستعمل الغسالة الكهربائية، لأن الغسيل يحبس فيها لأكثر من أربعة أيام، حسب توقيت الكهرباء، وبأنها عادت لزمن جدتها لتغسل على يديها.

لماذا هذا الإصرار العنيد على إركاع هذا الشعب على مذابح الإهمال وعبثية الموت والدمار؟ لا يمكنني وصف إحساس العار الذي يلبسني كلما التقيت بأحد النازحين الحلبيين في اللاذقية، والذين يزيد عددهم عن المليون وثلاثمائة ألف.

مئات من التجار الحلبيين خسروا أموالهم ومحلاتهم وكرامتهم، وافترشوا أرصفة اللاذقية واجمين من هول المأساة، يعرضون بضائع متنوعة للبيع. أي قدرة جبّارة يتمتع بها أبناء حلب الشهباء حتى يتحملوا كل تلك الخسائر؟

جحيم حلب استثنائي، وفريد من نوعه، لأن حلب استثنائية وعريقة وكرامتها شامخة كقلعتها. لكن الكيل طفح بأهل حلب وبكل من يعشقها.
تحيّة لأبناء حلب الشهباء، لأن صمودهم وحده يجعلنا نؤمن بأن سوريا ستكون بخير.

 

المساهمون