جاكي شان في محور البلكونة

جاكي شان في محور البلكونة

21 مايو 2020
+ الخط -
أعظم الأوابد العمرانية هي إما قصور للسكن، أو قبور للدفن، فالملوك عادة يسكنون قصوراً في موتهم أيضاً، نذكر منها الأهرامات وقصر تاج محل، وكلاهما من عجائب الدنيا السبع. قبور الفراعنة معجزاتٌ عمرانيةٌ، ما زالت تدرُّ بعض المال على وزارة السياحة والنياحة. أما فراعنة العرب الجدد، فضعاف ومساكين في فن القصور وفي فن القبور أيضاً، مع أن ضحاياهم كثر، فهم يدفنونهم في قبور سرية، خوفاً من تحوّل جنازاتهم إلى معجزات بشرية وشعبية، إلا إذا نجح النظام السوري في إغراء السيّاح بزيارة الأنقاض، أو توظيفها في ديكور الأفلام، كما بشَّر بذلك فنانون سوريون يفهمون في الفن التشكيلي، وصناعة الأمل الشوكي، واقتصاد الحرب، والنكاية بالعدو. وقد ينجح عبد الفتاح السيسي في إغراء السيّاح بزيارة معجزاته العمرانية المسمّاة ترعة الزمر. والحق يقال إن ملوكنا المعاصرين ماهرون في معجزات "فنّ الحرب" على الشعب، ويعد كتاب "فنُّ الحرب" الكتاب المقدّس في الدراسات العسكريَّة، فقد استطاع سون تزو أنْ يقنع جنوده بأنَّ الحرب فكرٌ وفنٌّ. أما عند العرب، فهي كرّ وفرّ، ولم يدخل في روع الفيلسوف الصيني أن يحارب زعيم شعبه، فملوكنا الأفاضل بارعون في الحرب على شعوبهم باسم الحرب على الإرهاب، وقد ينجح إعلاميو السيسي بمقارنة جسر سلمان بتاج محل الذي بناه الإمبراطور المغولي شاه جاهان تكريماً لذكرى زوجته وحبيبته ممتاز محل. ومن يدري قد يؤلف مؤلف كتابا للسيسي اسمه "حرب الفن"، فهو يصطحب معه محاربيه الفنانين في رحلاته الدولية.
وصفت اليونسكو تاج محل بأنه درّة الفن الإسلامي في الهند. ولا يسمح السيسي للإعلام بتصوير قبر والدته التي دُفنت بعد أسبوع من موتها، حتى لا يُفسد عليه موتها احتفاله بالترعة الشهيرة، ولم يكن ينقصه سوى "سد عالي" وعدوان ثلاثي، حتى يصير بطلاً مثل سلفه جمال عبد الناصر.
كان الإمبراطور شاه جاهان أكبر يعشق زوجته، وبنى لها ضريحها الشهير الذي ترعاه الحكومة الهندية رعاية الطفل الخديج. ولم تبادر السلطات الهندية إلى تنظيف تاج محل، وذلك لأول مرة منذ أكثر من 300 عام، إلا عند زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيودلهي. وهم يحظرون الأنوار في الليل، حرصاً على ألوان الجدران من بأس النور الصناعي، ويشبه عشق جاهان أكبر عشق بلحة لمصر، فهو يحنو على شعبها كما نرى، حتى أنه جعل الجسر سقفاً لحيّ الجيزة، وقبَرَ الأحياء تحته، وجعله سداً من فوق أهلها، لكن السيسي لم يدعِّ أنه يسعى إلى القدس، فهو من محور البلكونة، وقد أمسى الطريق إلى القدس في محور المقاومة مقدساً أكثر من القدس نفسها.
بنى الخلفاء والأمراء مدناً كثيرة مثل: البصرة بناها عتبة بن غزوان، والكوفة بناها سعد بن أبي وقاص، الفُسْطاط بناها عمرو بن العاص، القيروان بناها عقبة بن نافع، مدينة الرصافة لهشام بن عبد الملك، حلْوان بناها عبد العزيز بن مروان، بغداد بناها أبو جعفر المنصور، القاهرة بناها جوهر الصقلبي، وهناك ست وأربعون مدينة في العالم باسم الإسكندر. أما حافظ الأسد باني سورية الحديثة، فلم يبنِ سوى مزة 86 العشوائية لمواليه الذين غزوا دمشق، واحتلوها كما احتل الغزاة القدس، وطردوا أهلها، ثم دمر ابنه سورية عمرانا وأخلاقا. ويجب أن نعترف بأن إسرائيل تُحسن البناء على أرض الفلسطينيين، وأن نقرّ بأن الرئيس عبد الفتاح "طربقها"، بنى العاصمة الإدارية، ونحفظ له أنه لم يسمّها باسمه تواضعاً منه. وقيل إن وزير التعمير المصري، كامل الوزير، سيعوّض من شاء التعويض. الجسر ليس سداً عالياً في وجه أهل القاهرة، وإنما هو جسر مصر إلى المستقبل المشرق، وتصير بالجسور "كده"، كما قال الرئيس المصري، وهو يرفع قبضته مثل بروس لي، ويضحك أكثر من شارلي شابلن.
683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."