تونس.. جدل بين القضاة حول نقل مكان عمل زوجة الرئيس

تونس.. جدل بين القضاة حول نقل مكان عمل زوجة الرئيس

18 سبتمبر 2020
نقلت زوجة الرئيس من مكان عملها السابق في تونس العاصمة إلى مدينة صفاقس (تويتر)
+ الخط -

عاد الجدل من جديد بين القضاة التونسيين بسبب تبادل الاتهامات حول عدد من الملفات، من بينها قضية نقل زوجة الرئيس قيس سعيد من مكان عملها السابق في تونس العاصمة إلى مدينة صفاقس التي تبعد حوالي 180 كيلومتراً عنها.

وأثار رئيس جمعية القضاة التونسيين، أنس الحمايدي، عدداً من الملفات، من بينها نقل زوجة الرئيس التونسي قيس سعيد، القاضية إشراف شبيل، من قبل المجلس الأعلى للقضاء، معتبراً أنّ الأمر "يرتقي إلى التشفي والانتقام"، منتقداً "بشدة ممارسات عدد من أعضاء المجلس".

ورأى الحمايدي، في تصريحات صحافية، على هامش ندوة عقدتها جمعية القضاة، أمس الخميس، بقصر العدالة في العاصمة تونس، أنّ نقل زوجة الرئيس وزميلاتها من قبل المجلس الأعلى للقضاء، "ينطوي على الكثير من التشفي"، متسائلاً  عن أسباب "هذا الانتقام والمستفيدين من ورائه، وعن مصلحة المجلس الأعلى للقضاء من توظيف الحركة القضائية لتصفية حسابات خارجة عن مصلحة القضاة والسلطة القضائية''، على حدّ توصيفه.

واتهم الحمايدي المجلس الأعلى للقضاء بأنّه "تعمّد التعتيم على حركة النقل لمصلحة العمل"، معتبراً أنّ نقل نحو 5 قاضيات، من بينهنّ القاضية زوجة رئيس الجمهورية، لمصلحة العمل لمسافة 180 كيلومتراً للمرة الثانية، وللأماكن نفسها، "يُعتبر غير معقول وغير قانوني وغير دستوري، ويرتقي إلى حد التشفي"، داعياً إلى "توضيح معايير النقل لمصلحة العمل".

ويعتبر مراقبون أنّ علاقة سعيد بالسلطة القضائية متشنّجة. وكان سعيد قد حذّر سابقاً من "تسييس القضاء"، وذلك في كلمة ألقاها أمام ممثّلي المجالس القضائية والهياكل المهنية، قائلاً في هذا السياق: "نحن حريصون على ألّا تتسلّل السياسة ولا رجال السياسة تحت عباءة القضاة إلى قصور العدالة، حتى لا يجلس غير القاضي على أرائك القضاة".

وردّ رئيس المجلس الأعلى للقضاء، يوسف بوزاخر، على الاتهامات الموجّهة من طرف رئيس جمعية القضاة التونسيين، أنس الحمايدي، بارتكاب المجلس عدّة خروقات في الحركة القضائية، وانتقاده طريقة التعامل مع هذا الملف، بالقيام بتعيينات اعتماداً على العلاقات الشخصية لا المناظرات الرسمية.

وأوضح بوزاخر، في حديث لإذاعة "موزاييك"، أنّ التأخير في إصدار قرارات الحركة  القضائية ''طفيف جرّاء الظرف الاستثنائي الذي مرت به البلاد بسبب جائحة كورونا، ما جعل الحركة تنطلق بداية شهر يوليو/ تموز وإصدارها كان يوم 12 أغسطس/ آب".

وتابع: "في ما يخصّ نقل 5 قاضيات، من بينهنّ زوجة رئيس الجمهورية القاضية إشراف شبيل... هناك اتهام خطير في كلام أنس الحمايدي للمجلس الأعلى للقضاء بأنّه يتشفى ويصفي حسابات... نطالبه بكشف هذه الحسابات".

وأضاف: "لا إشكال لنا مع رئيس الجمهورية والحديث عن التشفي كلام غير مسؤول وغير مقبول".

وقال بوزاخر: "نقبل الانتقاد لكن نرفض اتهامنا بتصفية حسابات والانخراط في أجندة معينة"، موضحاً أنّ نقل القاضية إشراف شبيل وبقيّة القاضيات، "كان لمصلحة العمل بسبب النقص في محكمة الاستئناف بصفاقس، وتمّ ذلك بعد ترقيتهنّ والقانون يسمح بذلك".

إلى ذلك، وجه رئيس جمعية القضاة التونسيين، أنس الحمايدي، عدة اتهامات أخرى، خصوصاً للوكيل العام بمحكمة الاستئناف بنابل، وعضو المجلس الأعلى للقضاء، بارتكاب عدة خروقات وتجاوزات وتدخلات مباشرة في عدة قضايا بمحكمة الناحية ولدى النيابة العمومية، وقضاة التحقيق في قضايا جزائية ومدنية، منها قضية "التحرش" الخاصة بنائب في البرلمان، وقضية متعلّقة برجل أعمال، وقضية حادث مرور لصاحب قناة تلفزيونية خاصّة، تسبّب في مقتل عدد من المواطنين.

وأكّد رئيس الجمعية أنّ الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بنابل، استغلّ صفته لوضع إطار قضائي ''وفق ميولاته وتوجيهاته''، مؤكداً إحالة شكاية رُفعت للمجلس الأعلى للقضاء لتجريده من مسؤوليته بناء على تقارير وبحث، وأنّ "الجمعية لم تجد استجابة لشكايتها بل بالعكس تفاقمت سلطة الوكيل العام وتمّ تسجيل تدخله في التعيينات وحركة النقل".

وقال الحمايدي إنّ ''الصورة التي وصلت للشعب أنّ هناك قضاء للأغنياء وآخر للفقراء''، ورأى أنّ الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بنابل "هو أكبر عنوان لهذه الصورة، لأنه رسّخ امتيازات لرجال أعمال بالجهة ونائب بمجلس الشعب وغيرهم"، وفق تأكيده.

وأوضح أنه "تمت تنحية مجموعة من القضاة وحرمانهم من حقهم في الاعتراض أمام المحكمة الإدارية، وسط غياب استراتيجية واضحة لإصلاح القضاء، رغم ما لديه من صلاحيات وسلطة واسعة تساعده على حسن التصرف فيها"، معتبراً أنّ المجلس الأعلى للقضاء "لا يعطي المثل لممارسة الديمقراطية التشاركية وضرورة توضيح الحركة القضائية للرأي العام".

وفي تعليقه على الخلاف الدائر بين مكونات وهياكل السلطة القضائية، قال المحلّل السياسي محمد الغواري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التدافع بين الهياكل المهنية للسلطة القضائية ومؤسساتها الدستورية أمر طبيعي ومفهوم لاعتبار حداثة التجربة التي ما زالت تتلمس طريقها نحو الاستقرار والثبات. فلم يمض على انتخاب المجلس الأعلى للقضاء سوى سنتين ونيف، بما يفسر بحث هذه المؤسسة عن التموقع وافتكاك صلاحياتها، في وقت تدافع الهياكل النقابية والاجتماعية للمهنة عن حقوق منظوريها".

وأضاف الغواري أنّ "مخاض إدخال إصلاحات على أيّ سلطة هو أمر عسير، لا سيما السلطة القضائية التي شهدت تجاوزات واختراقات خلال الحقبة الماضية، ويعد الهدف الدستوري من استحداث المجلس الأعلى للقضاء، هو إضفاء استقلالية أكبر على المرفق القضائي عن وزارة العدل وعن السلطة التنفيذية وعن الجهات السياسية".

المساهمون