تونس... التخريب الناعم

تونس... التخريب الناعم

15 يوليو 2020
خلال الانتخابات الرئاسية في تونس العام الماضي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

حيثما كانت صناديق للانتخابات، كانت دول الثورة المضادة حاضرة بقدها وقديدها. ثمّة كره غير مفهوم من قبل دول الثورة المضادة للانتخابات والديمقراطية ولكل ما يمثل الإرادة الشعبية ويرمز إلى تطلع الشعوب العربية نحو نموذج ديمقراطي حداثي يتجاوز النموذج التسلطي الذي عرفته هذه الشعوب لعقود. في كل الدول العربية التي عرفت ثورات الربيع العربي، كان صدّ الثورة المضادة حاضراً، واستخدمت الأخيرة كافة الأدوات الممكنة والمتاحة لتخريب التجربة الديمقراطية على حداثتها. تم استخدام العسكر لإحداث الانقلاب في مصر، ووعد الانقلابيون الشعب المصري بالرفاه في غضون سبع سنوات. مرت السبع العجاف ولم تأت السبع المزهرة، بل ازدادت الأوضاع قتامة. وفي ليبيا، تم تفجيرها من الداخل باختلاق كيانات عسكرية، فتعثرت ثورة فبراير، فيما استُدرجت الثورة السورية إلى العسكرة فسقطت في الفخ مبكراً. أمّا اليمن، فقد أريد له أن يكون يمنيْن وبتدخل سافر أنفق فيه ما كان يمكن أن يعيد بناء هذا البلد بالكامل.
بقيت تونس، السفينة الوحيدة التي رست على شاطئ آمن، تجاوزت الكثير من المطبات وفتناً سياسية، ونجحت في تركيز ما أمكن من قواعد التعايش الديمقراطي. لكن لتونس قصة أخرى مع دول الثورات المضادة، تعتقد هذه الأخيرة أنه طالما ظلّت تونس، مهد الربيع العربي وحاضنة هذه الطفرة الثورية، واقفة تخوض تجربتها الديمقراطية على عثراتها، وتنجز ولو على إبطاء حالة تقدمية في مجال الحريات، يبقى الأمل قائماً ومشروعاً لدى الشعوب العربية نحو الخلاص والحرية.

هذه الحالة استدعت من دول الثورة المضادة إبداعاً آخر في التخريب، فحين لم تنفع الاغتيالات والإرهاب الذي لم يجد له حاضناً سياسياً أو اجتماعياً في تونس، ولم يكن ممكناً توريط الجيش التونسي، كان لا بد من المرور إلى مرحلة أخرى من التخريب الناعم؛ ترذيل الحياة السياسية والتشويش على المسار، واختلاق المشاكل التي لا تهم التونسيين ولا علاقة لها بتطلعاتهم. فضلاً عن ضخ الملايين لفائدة قوى ومجموعات النظام البائد، وتوفير الدعامات الإعلامية لها، ووضع ترسانة قنوات في خدمتها، لدفعها إلى إفساد وعرقلة التجربة الديمقراطية ما أمكن بالاستفادة مما تتيحه الديمقراطية نفسها من منافذ. والهدف هو تقديم مخرجات النظام البائد على مخرجات الثورة، وإعادة التونسيين إلى مقاربة قديمة كانت ترفع شعار التنمية بلا ديمقراطية والأمن بلا حريات.

اختارت دول الثورة المضادة التوقيت المناسب لإطلاق عملية التخريب الناعم، في الوقت الذي كانت فيه تونس تتوجه إلى استحقاقاتها الاجتماعية والاقتصادية، وهي تطلعات جوهرية في ثورة يناير 2011. لكن تونس، الجارة الشرقية للجزائر، اختارت أيضاً ألا تأكل الأرز نيئاً، أرز دول الثورة المضادة.

المساهمون