تلاميذ غزّة بعد الحرب

تلاميذ غزّة بعد الحرب

29 ديسمبر 2014
ما زال تلاميذ غزّة يعانون تبعات العدوان الأخير(ياسر قديح)
+ الخط -

يجلس معاذ الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره، شارد الذهن فاقد التركيز تماماً على مقعده الخشبي المهترئ في أحد فصول مدرسة رفح الابتدائيّة جنوبي قطاع غزة، فيما يحاول مُدرسّه، عبثاً، جذب انتباهه وشرح الدروس المقرّرة.

أكثر من أربعة أشهر مرّت على بدء العام الدراسي الجاري في غزّة، ومعاذ كما آلاف من التلاميذ ما زالوا مشتتي التركيز ويعانون من حالات وسلوكيات نفسيّة غير معهودة. أما السبب فهو ما عاشوه من معاناة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع.

منذ بدء العام الدراسي، بُذلت مساعٍ حثيثة ونفذت برامج عديدة في مدارس غزّة بغية مساعدة التلاميذ على تجاوز المحنة. وقد آثرت وزارة التربية والتعليم تأخير بدء الدراسة ، وحرصت على التركيز طوال الشهر الأول على تقديم حصص لا علاقة لها بالمنهاج الدراسي، على أمل النجاح في تهيئة التلاميذ وتحسين حالتهم النفسيّة.

تمكنت تلك البرامج إلى حد ما، من تخفيف وقع الصدمة. لكن نسبة لا بأس بها من التلاميذ ما زالت تعاني الأمرَّين، وتشعر أن الحرب وضعت أوزارها قبل أيام فقط. وثمة أعراض مقلقة تظهر على هؤلاء، داخل فصول الدراسة أو في منازلهم.

الخوف الدائم والتوتّر وعدم التركيز والانعزال، هي أبرز الأعراض التي تظهر على هؤلاء، لا سيّما من هم في المرحلتَين الابتدائيّة والإعداديّة.

هذا ما يؤكده المدرّس، سامر المدهون، قائلاً إنه "وعلى الرغم من أن الفصل الدراسي الأوّل شارف على الانتهاء، إلا أن مرور الوقت يُظهر مدى عمق المشكلة وحاجة التلاميذ إلى مزيد من البرامج التي من شأنها تخفيف وقع الصدمات التي سيطرت عليهم بفعل ما عاشوه من أيام صعبة".

ويلفت إلى أن وزارة التربية والتعليم، وبالتعاون مع مؤسسات عدّة، عملت طيلة شهر ويزيد على تنفيذ برامج ترفيهيّة وتثقيفيّة، هدفها التخفيف من الحالة النفسيّة السيئة للتلاميذ وجعلهم أكثر قدرة على نسيان أهوال الحرب والاستعداد للدراسة، لكن النجاح لم يكن كاملاً.

ويشير المدهون إلى أن الوزارة حرصت على وضع وتنفيذ خطة لاستثمار النشاط الرياضي والألعاب الرياضيّة في بداية العام الدراسي للتفريغ الانفعالي، خصوصاً وأن للرياضة دوراً في استعادة التوازن البدني والنفسي.

لكنه يشرح أن تلك الخطة وعلى الرغم من بعض الآثار الإيجابيّة، إلا أنها لم تفرّغ ذاكرة أطفال غزّة من الصور المأساوية التي ما زالت تسيطر عليهم. وهو ما أدى بشكل واضح إلى تراجع قدرتهم على استيعاب الدروس، في حين يهدّد بآثار سلبيّة على المدى البعيد.

مؤمن (11 عاماً) في الصف السادس. عند سؤاله عمّا يتذكره من الحرب، يبدأ في سرد تفاصيل دقيقة عاشها مع عائلته تحت القصف. ويروي كيف سقط جدار منزلهم، في حيّ الشجاعية من جرّاء القذائف، ولجوءهم إلى مدرسة إيواء لم تسلم هي الأخرى من الغارات الإسرائيليّة.

لا ينكر مؤمن أنه يعاني من كوابيس دائمة خلال الليل، يستعيد خلالها مشاهد ما زالت عالقة في ذهنه. ويقول إنها تدفعه إلى البكاء في كثير من الأحيان. ويخبر أنه منذ الحرب الأخيرة، يخشى النوم وحيداً ويبقى ملتصقاً بوالدَيه وأشقائه.

حالة مؤمن وغيره من أطفال غزّة، يعتبرها أستاذ علم النفس، درداح الشاعر، طبيعيّة نظراً لما عاشوه. لكنه يشدّد على أن تبعات هذه الحالة خطيرة جداً على واقع هؤلاء الأطفال ومستقبلهم. ويحذّر من أن عدم توفير الدعم النفسي الدائم وفق برامج طويلة الأمد، من شأنه أن يزيد من خطورة المشكلة.

يضيف الشاعر أن "أطفال غزّة في حاجة ماسة إلى رعاية اجتماعيّة ونفسيّة ومعيشيّة، تشعرهم بالأمان. وهي أمور قد يصعب توفيرها وسط فقر أهالي القطاع إجمالاً ومعاناتهم بفعل الحصار وتداعياته".

ويلفت إلى أنه يرصد بشكل متواصل حالات مثيرة للقلق، تتطلب برامج أكثر فعالية لإنقاذ جيل بأكمله تفتحت عيونه على الحروب.

447 طفلاً شهيداً

لا شكّ في أن عدم تأثّر تلاميذ غزّة بالحرب الإسرائيليّة الأخيرة على القطاع، أمر غير واقعي. فتلك الحرب أدّت إلى استشهاد 447 طفلاً فلسطينياً، من بينهم 277 صبياً و170 فتاة تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عاماً. ومن بين هؤلاء، 305 أطفالٍ لم تتجاوز أعمارهم 12 عاماً، أي ما يعادل 68% تقريباً. إلى ذلك، أصيب ألفان و877 طفلاً بجروح، وفقاً لإحصاءات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف".