تكتل كوالالمبور الإسلامي .. العودة إلى التصحيح الاستراتيجي

تكتل كوالالمبور الإسلامي .. العودة إلى التصحيح الاستراتيجي

25 فبراير 2020

المشاركون في قمة كوالالمبور الإسلامية (21/12/2019/الأناضول)

+ الخط -
أعلنت إسلام آباد موقفاً جديداً وصريحاً من تكتل دول إسلامية دعا له رئيس الحكومة الماليزية، مهاتير محمد، وعقدت قمته في ديسمبر/ كانون الأول 2019، وقرار المشاركة الجديد أعطى زخماً لهذا المشروع الإقليمي للشرق المسلم، والذي أمامه بالفعل أجندة حيوية، يمكن أن يعمل عليها هذا التكتل، لصناعة فارق مهم لحاضر العالم الإسلامي، يحقق نقلةً، ولو نسبية، في أكثر من مسار، تعاني فيه الدول المسلمة. ولكن هذا التقدّم مرتهن بمراعاة الواقع السياسي، والحفاظ على أكبر قدر ممكن من الحياد المتاح، ليتحوّل المشروع إلى تكتل قوي، يساعد في ميزان التبادل الاقتصادي بين أعضائه، ويُعيد تدوير ميزانيات إنفاقه، لتكون جزءاً من مصالحه المتبادلة، بدلاً من رهن كل أسواقه لصالح الغرب.
أما المسار الثاني فهو صناعة الفكر القيمي الجمعي، أمام الهجوم العالمي على الفكرة الإسلامية ذاتها، وازدرائها، وتحويل هذا الهجوم إلى شرعنةٍ دوليةٍ، ضد حقوق المسلمين. وهنا يواجه هذا المسار واقع الدول المسلمة ذاتها، من خلال غياب شروط الحريات السياسية وتداول الحكم، فضلاً عن واقع النظام القمعي الدموي لبعض حكوماتها، والانقسام الطائفي وإيران كانت أحد أهم هذه النماذج في إيجاد بؤر الحروب الطائفية المتنقلة. وهو ما أثار جدلاً واسعاً لمشاركتها، وغضباً عند بعض الأطراف الشعبية، لكن الواقعية السياسية هنا لا تستطيع أن تفرز إيران، 
فضلاً عن لغة المصالح الجديدة بين أنقرة وطهران والدوحة، بعد عاصفة أزمة الخليج المستمرّة، وهذا الملف، أي النظام القمعي، لا يقف عند إيران، غير أن طهران كوّنت رصيد امتعاض واسع، لحروبها الخطيرة ضد السُنّة، ليس في المشرق العربي فقط، بل حتى حركة الترويج المذهبي بين المسلمين في شرق آسيا، وفي آسيا الهندية، ما حفّز الضمير الشعبي في هذه الدول، وصنع أرضية إرهاب مارستها السلفية الجهادية الموظفة أو الحمقاء ضد الأبرياء الشيعة.
وعلى الرغم من أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه التكتل الجديد، في بدء مفاوضات خاصة مع طهران، لمحاولة التخفيف من الصراع المذهبي الذي يضرب حاضر العالم الإسلامي، إلا أن الحد الأدنى من التجاوب الإيراني مستبعد حتى اليوم، بعد أن أعلنت رسمياً بعد مصرع الجنرال قاسم سليماني أنها ستزيد توظيف الجماعات الطائفية السياسية، بدءاً من العراق ولبنان، في مواجهة ما تسميه الاستكبار العالمي، على حساب الشعوب المسلمة.
وهذا يحيلنا من جديد إلى ملف مهم في المقابل، ماذا عن الدولة السعودية التي اعترضت على القمة، ورأت أنها قمة تهمّش قيادتها. وغني عن الذكر أن الواقع السياسي الذي آلت إليه الأمور في خسائر الرياض من الأزمة الخليجية وغيرها هو نتاج سياستها، لكن منطق الواقعية السياسة أيضاً، ومراعاة فرص النجاح الإستراتيجي، يؤكّد أهمية تحييد الرياض، وترك العقل الماليزي الهادئ للتعامل معها، في ملف هذا التكتل، سواء أحبت المشاركة والإفادة أو تجنب الصراع الجيوسياسي معها، والذي تستغله أطرافٌ دولية لا تريد أي نهضة تنموية لحاضر العالم 
الإسلامي.
إن فتح الأبواب للمشروع التعليمي الاستراتيجي الممكن تنفيذه، ليكون أحد محدّدات التعاون القطري الماليزي، يمكن أن يوسّع ليشرك دول هذا التكتل، حين يقوم التأسيس عبر أفضل الشروط النهضوية للتعليم الحديث، مقروناً بمنهج القيم، وبمركز لحوار الحضارات، وخصوصا علاقات الشرق، بكل أديانه وقومياته، ويبدأ صناعة نهضة تعليمية تستقطب دول التكتل وخارجه، لتصنع منهم جيلاً معرفياً جديداً. وهنا مسار غاية في الحساسية والحاجة إلى التوازن لكي نفهم، مهمة ماليزيا الجديدة وظرفها القومي، فالحالة الماليزية تعاني، منذ الاستقلال، من استقطاب قومي حاد داخلها، يسعى إلى احتواء القوميات المرحّلة إليها، وهم اليوم جزء من مواطنيها الماليزيين، وخاصة الماليزيين من أصل صيني، وهو المجتمع الديمغرافي الذي يُهيمن على غالبية الاقتصاد القومي، وما بين الخشية من استغلال بكين هذا الملف، والعمل على احتوائه في ديمقراطية ماليزيا الحديثة، والدستور الذي يحمي حقوق الشعب الأصلي، تعيش الحياة السياسية أزمات ومخاوف، خصوصا بعد مرحلة تمكن الفساد من ماليزيا في عهد نجيب عبد الرزاق.
ومع ذلك، حركة الصراع والتدافع السياسي اليوم، لم تستقر، فهناك صراع داخل التحالف الحاكم، ويحفّزه سؤال الشك الكبير في تنفيذ مهاتير محمد وعده الانتخابي لصالح تولي المفكر النهضوي أنور إبراهيم رئاسة الحكومة، فهناك انقسام وتنقل في معسكر الحكم والمعارضة. في الوقت نفسه، تتبنّى المعارضة التي يمثلها جناح عبد الرزاق في أمنو وحليفه الحزب الإسلامي 
(إخوان ماليزيا) تثبيت مهاتير حتى الانتخابات المقبلة، فيما ترفض المعارضة بقيادة حزب عدالة الشعب، وتيار إسلامي جديد، هو حزب أمانة الضغط، وتتمسك بعودة الخيار الديمقراطي الذي وصلت إليه ماليزيا عبر قيادة وان عزيزة زوجة أنور إبراهيم، وإحدى أبرز الشخصيات الإصلاحية الوطنية لتاريخ ماليزيا الحديث. وهذا يعني أن حركة الحكم والمعارضة لم تستقر، وبالتالي ينبغي فهم واقع ماليزيا وعدم زجّها في معركة محاور لن تسقط فائدة هذا المشروع المهم لحاضر العالم الإسلامي فقط، وإنما سيؤثر خطاب التجييش، خصوصا في بعده الديني على مستقبل ماليزيا، وطنا يجمع الأقليات والأعراق، تحت حكم دستوري وتوافق مدني، متمسّك بروحه الإسلامية.
وهنا نعود إلى نقطة مركزية في هذا التكتل، أهمية تجنيبه لغة البروباغندا العاطفية، وصورة المشروع الموازي للمؤتمر الذي قُدم تكتلا حزبيا دينيا بخلفية صراعية داخل دول الشرق، فهذا التكتل يحتاج لغة التكنوقراط التي تُحسنها ماليزيا، والتي تحتاج هي أيضاً في ظل الاستقطاب السياسي، وإشكالية إثارة النزعات القومية داخل ماليزيا، والتي تلعب عليها أطرافٌ غربية، فإن التفويج باسم الخطاب الدعوي لا يصلح أبداً، بقدر ما أن للدول المشاركة والمحبّة لماليزيا مساحة تقاطع مهمة، لدعم نجاح كوالالمبور، في ما عجزت فيه قمم إسلامية، ذهبت هباءً منثوراً.

دلالات