تركيا.. عندما تنجح الديموقراطية

تركيا.. عندما تنجح الديموقراطية

18 يوليو 2016
+ الخط -
لعله من السابق لأوانه الحديث عما جرى في تركيا، من ناحية الدوافع والداعمين والقائمين. لكن، أعتقد أن أموراً حدثت لابد من الإشارة إليها.
الحديث بدأ مع المساء عن إغلاق للشوارع العامة في أنقرة العاصمة واسطنبول، ليتطوّر إلى أخبار عن تحليق مكثّف للطيران الحربي، وسماع أصوات إطلاق نار وانفجارات متعددة. وسائل الإعلام المعروفة، ووسائل التواصل الإجتماعي، بدأت الحديث عن انقلاب عسكري في تركيا. التكهنات بدأت منذ اللحظة الأولى، حيث أصدرت المجموعة التي قادت الانقلاب بياناً قالت فيه، إنّها تسيطر على الأمور، وأنّ البلاد باتت تحت سيطرتها، والحكومة التركية أكدت أنها لا تزال في الحكم، وأنّ الأمور تحت السيطرة.
حرب تصريحات وتصريحات مضادة، وخلال ساعات قليلة، تبدّت بعض الخيوط وعرفت بعض الأسماء، ولا تزال الأمور رهن التدقيق والتحقيق، ولا يزال هناك توتر بسيط، وربما لم تنته الأمور بعد بشكل كامل. وتكشفت عن الساعات الأولى للمحاولة الإنقلابية أشياء كثيرة على الصعيدين التركي، وردة الفعل الغريبة لدى الشارع السوري، معارضة وموالاة.
هناك أربع أشياء رئيسية ساهمت في إفشال الحركة الإنقلابية، هي:
(1): الثقة التي تتمتّع بها القيادة التركية بنفسها وبالشعب التركي الذي راهنت عليه، فكانت مكالمة سكايب، لمدة ثوان معدودة كافية لنزول الشعب للشوارع ليفشل المحاولة الانقلابية.
(2): الوعي الذي تميّز به الشارع التركي، الذي نزل بكل أطيافه، أنصار الحكومة ومعارضوها، لم يستغلوا الوضع كما كان سيحصل لو كان الأمر في بلد آخر، فالشعب نزل إلى الشارع، يدافع عن حريته وكرامته وديموقراطيته، وعدم انجراره إلى الفوضى التي طالما تترافق مع هكذا مواقف، بل كان موقفه موّحداً، نزل متحدياً الدبابات والطائرات ليثبت أركان الديموقراطية.
(3): المعارضة التركية الواعية، ممثلة بأحزاب المعارضة، والتي وقفت إلى جانب الشرعية، متناسية خلافاتها من أجل الحفاظ على الديموقراطية، ولم تستغل الموقف من أجل الانقضاض على الحكم. وهذا يدل على رقي الحالة السياسية التركية، والديموقراطية فيها، فالمعارضة والسلطة تعمل من أجل البلد، وليس من أجل كرسي السلطة.
(4): الجيش التركي، بما فيه القوات التي شاركت بالانقلاب، لم تستخدم القوة المفرطة، على الرغم من أن انتهاء الحركة الانقلابية يعني نهاية من شارك بها إلى الأبد. ومع ذلك، تراجع الجيش أمام الإرادة الشعبية التي خرجت تدافع عن ديمقراطيتها بقوة.
نعم، نجح الشعب التركي في تثبيت أركان دولته، وحماية حريته وديموقراطيته. وفي المقابل، كانت ردة فعل الشعب السوري غريبة وغير مفهومة، سواء مواليي النظام أم معارضيه، فالموالون نزلوا إلى الشارع يحتفلون، وبموافقة من نظام الأسد ومباركة من إعلامه، واستعجلوا الأمور بسقوط الدولة التركية، وكأنّهم من أسقطها، إضافة إلى عشرات التحليلات السياسية التي وصلت إلى حد التهريج، فهؤلاء يريدون الهروب من أزمتهم وإحباطهم، وتصوير ما يحدث أنّه في صالحهم، وكأنّهم حققوا نصراً تاريخياً.
على الجانب الآخر، وقف أغلب الشعب السوري المعارض لنظام بشار الأسد، مع الحكومة التركية ولدوافع شتى، منها شعور الامتنان للقيادة التركية والشعب التركي لاستضافتهم، ومنها الخوف من المصير المجهول.
لكن الغريب أن السوريين وقفوا مع أردوغان الشخص، وكأنّهم لم يخرجوا بعد من عباءة تقديس الفرد، فالأتراك، بمن فيهم الموالون للحكومة، وقفوا مع تركيا، ورفعوا العلم التركي، في حين وقف السوريون يرفعون صور أردوغان، واختصروا ما يجري في شخص رجل واحد، على الرغم مما شاهده العالم من تضامن السياسيين في تركيا، ووقوفهم صفاً واحداً ضد المحاولة الإنقلابية. هل هو الفرق في المفهوم، أم في التفكير؟ أم أنها تربية خمسين عاما لا تزال تسكن مخيلة السوريين؟
أخيرا، أثبت الشعب التركي أنه وفي لديموقراطيته وحريته، أكثر من وفائه لقادته والأشخاص.
049EA886-9F2D-49B4-A5B3-E85C416A380A
049EA886-9F2D-49B4-A5B3-E85C416A380A
فراس علاوي (سورية)
فراس علاوي (سورية)