الغاز يمر من تركيا

الغاز يمر من تركيا

19 اغسطس 2016
+ الخط -
خبران: الأول، لقاء بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في بطرسبورغ، بعد سلسلة من الخلافات والاتهامات المتبادلة وسيل من الألفاظ البعيدة عن الدبلوماسية والتباين في المواقف السياسية، أغلبها فيما يخص الملف السورس. الثاني، على الرغم من التنافر الحاد في المواقف، واختلاف المواقف الذي وصل إلى حد التناقض أو القتال بالوكالة على الأرض السورية، وسيل الاتهامات المتبادلة بين الطرفين فيما يخص الوضع السوري.. كلّ ذلك لم يمنع من وصول وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى أنقرة.
جاء الخبران في ظل الحراك المتسارع للدبلوماسية التركية، بعيد فشل الانقلاب فيها، فتركيا بعد الانقلاب ربما بدأت تعيد قراءتها السياسات الموجودة على الأرض، وإعادة تقييم لها، في ظل تخبّط واضح لمواقف دول أوروبية والولايات المتحدة الأميركية، والتي لم تقدّم تفسيراً واضحاً لموقفها، في حين استغلت روسيا الموقف سياسياً وإعلامياً، حيث سارعت الرئاسة الروسية إلى الوقوف لجانب الحكومة التركية ودعمها ضد الانقلاب الفاشل.
التطوّر السريع للعلاقات الروسية التركية والذي نتجت عنه زيارة الرئيس التركي ولقائه فلاديمير بوتين، وظهور كل من الرئيسين، وتعمدهما إظهار نفسيهما، وكأنهما وصلا إلى مرحلة تصفير الخلافات، وعودة المياه إلى مجاريها الراكدة منذ حادثة إسقاط الطائرة الروسية .. كل هذا رسالة متعمدة لأميركا، فالأتراك أرادوا إظهار أنفسهم، وكأنهم يملكون حرية التحرّك بكل الاتجاهات، وإيجاد بدائل سياسية واقتصادية، في حال وصول العلاقات إلى مرحلة قطيعة، ولو مؤقتة، وهو ما حدا بالأميركان الإعلان عن زيارة مرتقبة لنائب الرئيس جو بايدن أنقرة، ما يعكس أن الأميركان قرأوا الرسالة جيداً.
أما الروس فكانت رسالتهم واضحة، وهي إظهار أنفسهم اللاعب الأول في الشرق الأوسط، وحتى في آسيا، وأنهم يكسبون حلفاء جدد، بعد العزلة التي فرضها الأميركان عليهم عقب ما جرى في أوكرانيا.
الروس الذين يرون أنفسهم خرجوا من العزلة، وكسروا الجليد، بل وتمدّدوا بعيداً وربما بدأوا يفكرون بعهد الثمانينات من القرن الماضي، على الرغم من القلق الذي يعتريهم من تدخلهم في سورية، وخصوصاً بعد ما حصل في حلب وإسقاط الطائرة الروسية، والتي ربما كانت ورقة رابحة بيد الأتراك، حينما تمت مناقشة الملف السوري معهم، ذلك الملف الذي لم يرشح عنه الكثير، وإن كانت التسريبات القليلة التي رشحت، وآخرها تصريح رئيس الوزراء التركي، بنعلي يلدريم، أن انتظروا أخباراً جيدة خلال الستة أشهر المقبلة، لكنه يبقى كلاماً عاماً لا يستند الى أيّ أفق حقيقي وواضح، تبعه تهديد الأوروبيين بعدم الالتزام باتفاقية اللاجئين، وهذا يعني العودة إلى المربع الأول في الحوار مع أوروبا.
ويبقى الغاز الشيء الوحيد المصرّح عنه، فروسيا تريد معبراً لغازها إلى أوروبا، بعد الخلاف مع أوكرانيا، وليس هناك أفضل من الأراضي التركية، لتحقيق هذا الخط. لكن، هل تقبل الحكومة التركية أن يكون هذا المرور بلا ثمن؟
قرأ الإيرانيون أيضاً الرسالة الموجهة من الدولتين، فسارعوا إلى إرسال وزير خارجيتهم إلى أنقرة، وربما سنشهد زيارة أيضاً لموسكو في الأيام القريبة المقبلة، إن لم تكن حصلت بصورة سرية، فإيران تدرك تماماً أن الروس يبحثون عن مصلحتهم في سورية، حتى لو كان على حساب التقارب مع إيران، والذي بدأ يتراجع مع التدخل العسكري الروسي.
الصمت الأميركي، والتعتيم المتعمّد والتسريبات من هنا وهناك، تشي بتغيّر واضح في الخريطة السياسية للمنطقة، وربما تغيّر في التحالفات. لكن، ما هي النتائج المترتبة على هذا التغيير؟
هل سنرى، ما قاله يلدريم؟ وما طبيعة هذا التغيير ولمصلحة من؟ وهل له علاقة بالانتخابات الأميركية، والمرشح الفائز؟

049EA886-9F2D-49B4-A5B3-E85C416A380A
049EA886-9F2D-49B4-A5B3-E85C416A380A
فراس علاوي (سورية)
فراس علاوي (سورية)