تبدّلات في أفق المشهد السوري بعد قرار مجلس الأمن

تبدّلات في أفق المشهد السوري بعد قرار مجلس الأمن

28 اغسطس 2014
وحّدت المعارضة المسلحة صفوفها (لؤي بشارة/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
شهدت الساحة السورية تغيّرات متسارعة بعد تبنّي مجلس الأمن الدولي بالإجماع، مشروع القرار 2170، الذي يستهدف قطع الإمدادات البشرية والمالية عن تنظيمي "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة النصرة"، وتنظيمات أخرى على صلة بـ"القاعدة" في العراق وسورية، وخصوصاً بعد إيضاح نص القرار أن مجلس الأمن يتحرك بناءً على البند السابع لميثاق الأمم المتحدة، ما يعني أنه يمكن تطبيق هذه الإجراءات باستخدام القوة.

وظهرت ردود فعل سريعة، على مستوى المعارضة السياسية وما يتبع لها من فصائل مسلحة على الأرض، وكذلك المستهدف الأساسي من القرار، "داعش" و"جبهة النصرة"، إضافة إلى نظام بشار الأسد، الذي بدا متفاعلاً متحمساً.

بعد صدور القرار، بدأت تحركات غريبة على جبهات المعارضة المسلحة في الداخل السوري، تمثّلت باندماج فصائل وألوية مقاتلة، وتشكيل هيئات موحّدة للعمل المسلح، كان آخرها دمج الفصائل المقاتلة ضمن قيادة مدنية وعسكرية وأمنية موحّدة، في محافظة حلب، تحت رعاية "الائتلاف الوطني" المعارض، وهيئة أركان "الجيش الحرّ"، فكان أن اندمج فصيل "أحرار الشام"، ذو الجذر السلفي والعضو البارز ضمن "الجبهة الإسلامية"، مع "لواء التوحيد"، تحت قيادة عبد العزيز سلامة.

ويبدو أن المبادرة لم تختر الفصيلين عن عبث، إذ يُعرف أن "لواء التوحيد"، و"أحرار الشام"، وبعض الكتائب المسلّحة التابعة للأكراد، هي التشكيلات العسكرية الأقوى على الأرض في حلب، وإذا استُثني الأكراد، خصوصاً أن الولايات المتحدة تكفّلت بتسليحهم في العراق للوقوف ضد "داعش"، وراعينا التنسيق المشترك بينهم وبين أكراد سورية، فلا يبقى سوى "التوحيد" و"أحرار الشام"، وقد سعى الائتلاف لتوحيدهما، في سبيل تشكيل تلك المعارضة المعتدلة.

وفي الوقت نفسه، شهدت الغوطة الشرقية لدمشق إعادة هيكلة للكتائب المسلّحة التابعة للمعارضة، فقد أُعلن عن اندماج كل من "جيش الإسلام" و"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" و"فيلق الرحمن" و"ألوية الحبيب المصطفى" و"حركة أحرار الشام" و"دار القضاء الموحد" و"الهيئة الشرعية لدمشق وريفها"، ضمن تشكيل عسكري موحّد تحت قيادة زهران علوش، وتعيين "أبي محمد الفاتح" كنائب له.

لعلّ هذا التسارع الواضح في دمج الفصائل المقاتلة، ليس فقط بحثاً عن تشكيل معارضة معتدلة تُقدَّم للمجموعة الدولية كطرف يُعتمد عليه في مواجهة "داعش" والنظام، بل إن مجموعات من الفصائل الإسلامية استشعرت بإمكانية احتسابها على تنظيم "داعش"، وتزامن ذلك مع قطع مصادر الدعم والتمويل عنها، فلم تجد سوى الاندماج خياراً، إضافة إلى أن الدول الداعمة لتلك الفصائل يبدو أنها لا ترغب بقطع الدعم، فسعت للمحافظة عليه من خلال دمج فصائلها بأخرى معتدلة بالنسبة للمجتمع الدولي، وبالتالي استمرار الدعم تحت شرعية تلك الفصائل.

في المقابل، ليست التشكيلات المسلّحة التابعة للمعارضة الوحيدة التي تعيد ترتيب أوراقها، ففي الوقت الذي يسعى فيه "داعش" إلى إحكام سيطرته على المنطقة الشرقية من سورية، بدأت "جبهة النصرة" تبحث عن مواقع جديدة تتمركز فيها، وتعيد من خلالها هيكلة نفسها بعد طردها على يد "داعش" من ريفي حلب الشمالي ودير الزور، فكان الانسحاب باتجاه محافظتي حماه وإدلب.

وتحاول "جبهة النصرة"، من خلال هذه الجغرافية الجديدة، تهيئة نفسها لأي عمل محتمل ضدها، والابتعاد عن مناطق الاصطدام مع تنظيم "الدولة الاسلامية"، الذي تفوّق عليها عسكرياً، وأفقدها العديد من إمكانياتها.

لكن الواضح أن نظام الأسد هو المتفاعل الأكبر مع القرار الأممي، بل ويسعى إلى تسريعه، وكأن الأسد يحاول جر الولايات المتحدة لتخوض المعركة السورية بطريقة لا تهدده، فما زالت إشارات الاستفهام تحيط بسقوط مطار الطبقة العسكري، ومن قبله الفرقة 17، إذ لم يتعرض مطار الطبقة لحصار خانق على مدى طويل يضعفه ويهيئ لاقتحامه، كمطار مينغ في حلب، ولم تقطع عنه الإمدادات بشكل كامل، فقد كان طريق سفيرة حتى آخر لحظة خط إمداد آمن للمطار، إضافة إلى إتمام عملية انسحاب ما تبقّى من قوات الأسد وفق مسار محدد وآمن، ما يشير الى أن المطار لم يكن محاصراً.

ومَن يسترجع التاريخ القريب لمعارك "داعش" في الرقة والمكتسبات التي حققها، يلاحظ أن هناك مفارقات لافتة تزامنت معها، ففي 26 يوليو/ تموز الماضي، سيطر التنظيم على الفرقة 17 في الرقة، وتزامن ذلك مع انسحابه من حقل الشاعر للغاز في حمص، وفي 24 أغسطس/ آب الجاري، تزامنت سيطرته على مطار الطبقة العسكري، مع انسحابه من ريف حمص الشمالي، فهل باتت المعادلة بالتالي هي: حمص مقابل الرقة؟ أم أن النظام يحاول جرّ الولايات المتحدة إلى المعركة السورية بإبراز تقدم "داعش" على حسابه وحساب جنوده الذين تُقطع رؤوسهم وتعلّق على أبواب الثكنات العسكرية؟

أي أن النظام يسعى إلى تسويق تلك الصورة، لتثبيت شرعيته المفقودة، بل ولتقديم نفسه إلى المجموعة الدولية كطرف في الحل، وهذا ما انعكس في كلام وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، بأن "سورية ترحّب بقرار مجلس الأمن رقم 2170 حول مكافحة الإرهاب رغم أنه جاء متأخراً".

وأكد المعلم أيضاً، في مؤتمر صحافي، أن "مضمون القرار 2170 لا يعطي تفويضاً بالعمل الفردي ضد أي دولة، ولكن سورية ترحب بالعمل المشترك على أراضيها بالتنسيق معها".

هذا التنسيق يسعى الأسد إلى تحقيقه مع المجموعة الدولية باستخدام "داعش"، وتغيير المعادلة التي تعتبره جزءاً من المشكلة، إلى أخرى تقدمه كجزء من الحل.

المساهمون