بين هشام الهاشمي وجورج فلويد

بين هشام الهاشمي وجورج فلويد

11 يوليو 2020

هشام الهاشمي وجورج فلويد

+ الخط -

قتل مسلحون الباحث في شؤون الجماعات المسلحة والخبير الأمني العراقي، هشام الهاشمي، (47 عاماً)، وشاهد العالم أجمع يوم الإثنين، 6 يوليو/ تموز الجاري، تسجيلات كاميرا تظهر تفاصيل الجريمة التي ارتكبها مسلحون يستقلون دراجتين ناريتين أمام منزله في زيونة شرق بغداد. وبمجرّد إعلان الخبر، عمّت وسائل التواصل الاجتماعي حالةٌ نادرةٌ من التوافق على أن المغدور كان صوتاً وطنياً واعياً يقدم المعلومة والتحليل من دون تزويق لفظي أو مجاراة لأحد. ولم يقتصر الأمر على وسائل التواصل الاجتماعي وردود الأفعال الجماهيرية، بل سارعت الرئاسات العراقية الثلاث، ثم سفاراتٌ في مقدمتها الأميركية والبريطانية والفرنسية والإيرانية، إلى نعي الهاشمي، والمطالبة بكشف الجناة وتقديمهم للعدالة.

سارعت الحكومة إلى فتح لجان تحقيق للقبض على الجناة، ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة، فيما بدت كتائب "حزب الله ــ العراق" الأكثر احتمالاً في اقترافها عملية الاغتيال، على الرغم من نفي مصدر من الكتائب هذه التهمة، لكن آخرين يعتقدون أن ثمّة خطة تستهدف رئيس مجلس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، حيث إن ممارسات الفصائل المنفلتة بتشكيلاتها المختلفة؛ كخلايا الكاتيوشا وفرق الاغتيالات وقتلة المتظاهرين، وغيرها، تهدف كلها إلى إرباك خطط الكاظمي لتعزيز هيبة الدولة وفرض سلطة القانون، وقد جاء قتل الهاشمي ضربة موجعة له، نظراً للعلاقة التي تربط بينهما، والضحية خبير في شؤون الجماعات المسلحة وجذورها ومصادر تمويلها وتسليحها ونقاط ضعفها وقوتها.
ومع تتابع الأيام بعد عملية الاغتيال، تتابعت أيضاً تصريحات المنظمات الدولية ورؤساء حكومات لتنعى هشام الهاشمي، وتثني على دوره في كشف تفاصيل عميقة وصحيحة لفكر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي وإستراتيجيته، لا بل عدّته معظم تلك التصريحات واحداً من أسباب الانتصار على هذا التنظيم، ومصدراً مهماً لكل خطط التحرّك ضده. وقالت منظمة العفو الدولية "إن قتل شخص في مكانة الهاشمي يشكل ضربة كبيرة في بلد يشجع الإفلات التام من العقاب فيه بعض الجماعات على ارتكاب انتهاكاتٍ جسيمة، فيتمكّنون من قتل أي شخص من دون محاسبة".

"العفو الدولية ": قتل شخص في مكانة الهاشمي ضربة كبيرة في بلد يشجع الإفلات التام من العقاب فيه جماعات على ارتكاب انتهاكاتٍ جسيمة

وبتقدير المراقبين للوضع العراقي، ما زال حجم ردود الأفعال على الأرض دون مستوى التعبير العراقي على وسائل التواصل الاجتماعي. ويقارن بعضهم بين ردود الأفعال الكبيرة جداً على مقتل الأميركي، جورج فلويد، على يد شرطي، وما أعقب ذلك من احتجاجاتٍ عمّت الولايات المتحدة أولاً، ثم سرعان ما انتشرت في العالم، بدأت طلباً لتحقيق العدالة ضد قاتل فلويد، ثم تطورت لتطالب بتحقيق إصلاحات، ومحاسبة تاريخية لنظم وممارسات ظلمت فئات كثيرة من البشر بسبب لونهم أو عرقهم.
ويدور سؤال من يريد المقارنة بين تداعيات مقتل كل من الهاشمي وفلويد حول التعاطف مع المظلومين في العالم، فلو وقع إغتيال الهاشمي، بدم بارد ومن دون اكتراث بأي سلطة، في أي بلد آخر يسود فيه الأمن والاستقرار، لبلغ حجم التعاطف والتعبير عن هذا التعاطف حدوداً من التعبير الجماهيري، وليس الرسمي، ما يمكن أن يشكل أداة للتحرّك لتحقيق العدالة وإنصاف المظلومين. والعراق، بشعبه وثرواته وتاريخه ومستقبله، تعرّض لأكبر مظلمة في التاريخ منذ عام 2003، وآلاف من العراقيين الأبرياء قد قتلوا والملايين قد شردوا، من دون أن يهتز ضمير العالم للتعامل مع العراق ضحية يوغل الجميع في إيذائها.
لماذا لم تخرج تظاهرات عراقية لمقتل هاشم الهاشمي الذي اتخذ موقفاً داعماً بشدة للانتفاضة الشعبية المطالبة بإصلاح شامل للنظام السياسي العراقي، والمندّدة بالحكومة السابقة، وأسلوب تعاملها مع هذه التظاهرات العنيف جداً؟ ألا يُفترض بقادة هذه التظاهرات أن يستثمروا هذا التعاطف الدولي العالمي مع الهاشمي، لينظّموا تظاهرات كبرى شعارها "حياة شعب العراق مهمة"، كما رفع العالم من بعد مقتل جورج فلويد شعار "حياة السود مهمة"؟

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن