بيسان... أُم مؤقتاً وابنة أسيرة

بيسان... أّم مؤقتاً وابنة أسيرة

19 يونيو 2019
بيسان وعائلتها (العربي الجديد)
+ الخط -
اضطرت الشابة الفلسطينية بيسان حازم فاخوري (19 عاماً)، ابنة الكاتبة الأسيرة في سجون الاحتلال لمى خاطر (43 عاماً)، وهي من مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية، إلى إرجاء عامها الدراسي الأول (تخصص التمريض) في جامعة بيرزيت، شمال رام الله، وسط الضفة الغربية، بعدما تحولت فرحتها على غرار بقية زملائها في الثانوية العامة إلى قهر ومعاناة في ظل غياب الأم التي باتت أسيرة، بعدما اعتقلها الاحتلال قبل شهر من التحاق بيسان بجامعتها. وفجأة، صارت مسؤولة عن الاهتمام بأشقائها الصغار وتحضير الطعام لهم.

اضطرت بيسان إلى إرجاء عامها الدراسي بسبب اعتقال والدتها. أما شقيقها أسامة (21 عاماً)، والذي يدرس هندسة الحاسوب في جامعة بيرزيت، فقد أكمل دراسته وبات على وشك التخرج. تشعر بيسان بالقهر لأنها لم تتمكن كبقية زملائها من الالتحاق بالجامعة بعد الانتهاء من مرحلة الثانوية العامة، كما تؤكد لـ"العربي الجديد".

قبل نحو 11 شهراً، بدأت بيسان الاهتمام بخمسة من أشقائها، حيث إن أصغرهم يبلغ العامين، في محاولة منها لسد الفراغ في منزلٍ بات موحشاً بعدما غادرته الأم. وأصبحت بيسان أماً لأشقائها منذ ذلك الوقت، تحاول تعويضهم بعضاً من حنان الأم ورعايتها.



تقول لـ"العربي الجديد": "مع اعتقال والدتي في الرابع والعشرين من شهر يوليو/ تموز الماضي، كان التعامل مع المسؤوليات الجديدة صعباً ومُربكاً، كتنظيف المنزل والطهي للعائلة، عدا عن الاهتمام بشقيقي الأصغر يحيى". لم تعتد بيسان كل هذه التفاصيل من قبل. لكن بمساعدة الأقارب، استطاعت تدبير شؤون البيت. وفي حال لم تعرف كيفيّة إعداد أكلة معينة، تهاتف خالتها أو جدتها.

شعرت بيسان بأنّه يتوجّب عليها القيام بما كانت تفعله أمّها قدر الإمكان، لتعويض إخوتها، لا سيما الصغار، عن حنانها. كما تحاول الاستماع إلى مشاكل كل من أسامة (21 عاماً)، ويمان (14 عاماً)، وعز الدين (10 أعوام)، اليومية، ومتابعة دروس إخوتها الصغار من بينهم. تنصحهم بكيفية التصرف في بعض المواقف، وإن كانت تشعر في الكثير من الأحيان بالحاجة إلى اهتمام والدتها بها.

لحسن الحظ أنّ أشقاءها متجاوبون معها. "علاقتنا ببعضنا البعض جيدة، وندرك صعوبة الوضع الذي نحن فيه. لذلك، علينا مساندة بعضنا بعضاً". لم تترك بيسان تفصيلاً في شخصية والدتها إلا وحاولت تقمصه ريثما تعود إلى المنزل. حتى أنها سعت إلى تقسيم المهام المنزلية بينها وبين أشقائها، كما كانت تفعل والدتها.

في أول أيام شهر رمضان الماضي، حاولت بيسان الحفاظ على تماسك أسرتها في ظل غياب والدتها. وتحكي قصة وجبة الملوخية التي أعدتها لإخوتها في أول أيام رمضان كما كانت تفعل أمها. تقول: "حرصت على إعداد الملوخية لأننا نحبها كثيراً". تضحك حين تشعر بأنها كبرت في غياب والدتها وصارت قادرة على إعداد الملوخية مثلها. "أعجبتهم الملوخية كثيراً، وهذه لم تكن المرة الأولى التي أعدها في غياب أمي".

حين تشارك أسرة الأسيرة لمى خاطر في بعض المناسبات العائلية، يتألم الأشقاء لأن جميع الأبناء يكونون برفقة أمهاتهم. تقول: "افتقدنا أمنا كثيراً، لا سيما في شهر رمضان والعيد. وجودها كان مثل البريق. نحاول الاجتماع عند العصر وتذكرها".

أما الأب، فيساند بيسان في تفاصيل الأمومة. تقول بيسان: "يأتي والدي أثناء عمله نهاراً إلى المنزل ليتفقدنا، ثم يرجع إلى العمل. ساندني في بداية اعتقال أمي، لا سيما في مساعدة يحيى الصغير على الخلود إلى النوم. ويحرص على لمة العائلة على غرار ما كانت ما كانت تفعل أمي. كما يقدم لي بعض النصائح المتعلقة بالطهي".



قضت لمى خاطر نحو أحد عشر شهراً في السجن، وحكم عليها الاحتلال أخيراً بالسجن 13 شهراً. وبحسب القانون، ستخرج قبل هذه المدة بقرابة الشهر، وهو ما ينتظره أفراد عائلتها بفارغ الصبر. وستعود بيسان لاستئناف دراستها والالتحاق بالجامعة مجدداً.

تقول بيسان: "أنا سعيدة جداَ لأنني سأستأنف دراستي الجامعية. ستخرج أمي وربما تُفاجأ بأنني كبرت وتحملت المسؤولية. وفي الوقت الحالي، نستعد للإفراج عنها ونحضّر للأمر عند حاجز الجلمة المقام في شمال جنين، شمال الضفة الغربية، حيث يتوقع الإفراج عنها من هناك. أما صديقات والدتي، فيجهّزن لها حفلة استقبال عند مدخل مدينة الخليل".

بيسان الآن منهمكة مع والدها وأشقائها في التحضير لكيفية استقبال والدتهم. يجمعون كل أنواع الشوكولاتة التي تحبها أمهم كي يقدموها لها. الجميع اشتاق إلى حضن الأم ولمة العائلة.