بضائع العدو [1/3].. أدوية إسرائيلية مغشوشة في صيدليات الجزائر

بضائع العدو [1/3].. أدوية إسرائيلية مغشوشة في صيدليات الجزائر

06 سبتمبر 2016
فراغ تشريعي في الجزائر يسمح بالتطبيع التجاري (العربي الجديد)
+ الخط -
تمتلئ عينا الثلاثينية الجزائرية آسيا زغواني بالدّموع، كلما تذكرت ولادة ابنها أنس بأطراف مشوهة قبل 3 أعوام، نتيجة تعاطيها أقراص كولبوتروفين Colpotrophine فئة 10 ملغ، ابتاعتها من إحدى صيدليات مدينة سطيف، شرقي الجزائر، ظنا منها أنها ستعالج قروحا في عنق الرحم عانت منها خلال الأشهر الأولى من حملها.

عقب تحليل عينة من دواء كولبوتروفين، من طرف مختبر "المستشفى الجامعي سعادنة عبد النور" في سطيف، تبيّن أن مكوناته مغشوشة وليست مطابقة لتلك الموجودة في وصفة علبة الدواء، "إذ حوت العينة على مركبات الثاليدوميد الخطيرة بنسبة عالية، تسببت في منع نمو أوعية دموية جديدة للجنين أنس، ما نتج عنه تشوهات خلقية على مستوى أطرافه، ليذهب الطفل ضحية دواء إسرائيلي مغشوش سعره 2800 دينار جزائري (ما يعادل 24 دولارا أميركيا)"، وفقا لما ترويه والدته لـ"العربي الجديد".

الدواء المغشوش

في ظل غياب إحصاءات رسمية حول نسب الأدوية المغشوشة في الجزائر، وتكتم وزارة الصحة الجزائرية حول الأنواع الممنوع تسويقها في الصيدليات، حصلت "العربي الجديد" على وثيقة من مجلس عمادة الصيادلة يكشف فيها من خلال تقرير له في شهر فبراير/ شباط الماضي، عن وجود 22 نوعا من الدواء المغشوش والممنوع، يتم تسويقه في الصيدليات ليباع بطرق غير قانونية.

ويكشف الدكتور لطفي بن باحمد، رئيس مجلس الصيادلة، أنه من بين الأدوية المغشوشة والمقلدة يوجد نوعان من صنع "إسرائيل"، وهما "كولبوتروفين" (أقراص وكريم) وأقراص "كولبوسيبتين"، تصنعهما شركة "تيفا" الإسرائيلية، ويُستعمل كلاهما في معالجة الأمراض التناسلية للنساء، والنوعان غير مسجلين ضمن قائمة الأدوية المستوردة التي تدخل السوق الجزائرية، كما تؤكد مصادر "العربي الجديد" في مديرية الإعلام بوزارة الصحة.

عبر جولة ميدانية شملت 15 صيدلية في الجزائر موزعة على 6 مناطق، وثق معد التحقيق تواجد دواء "كولبوتروفين" الإسرائيلي في خمس صيدليات، واستطاع إقناع صيدليتين ببيعه الدواء بدون وصفة طبية، في حين امتنع الثلاثة الآخرون عن ذلك.

ووثقت "العربي الجديد" سعر كولبوتروفين في الصيدليات باعتباره النوع الأكثر استعمالا من قبل الحوامل، إذ تباع علبة دواء من 20 قرصا بسعر مضاعف، يراوح بين 2500 دينار و3 آلاف دينار جزائري (من 20 إلى 25 دولارا أميركيا)، في حين أن سعره الحقيقي في السوق الفرنسية لا يتجاوز 5.20 دولارات أميركية، ما يعادل 652 دينارا بالعملة الجزائرية.


إقبال واسع

حسب تقرير للديوان الجزائري للإحصائيات، نشر في إبريل/ نيسان الماضي، فإنه قد تم تسجيل مليون و40 ألف امرأة حامل خلال العام 2015، مقابل 840 ألف حامل سنة 2014. ووفق إحصائية لنقابة الصيادلة، فإن 38% من النساء الحوامل طلبن كولبوتروفين من الصيدليات في عام 2015 رغم ندرته، أي ما يقارب 400 ألف حامل أرادت استعمال الدواء الإسرائيلي.

وتوضح الاختصاصية في أمراض النساء، الدكتورة عايدة بن قروي، أن دواء كولبوتروفين يستخدم في علاج الجروح على مستوى الأجهزة التناسلية للمرأة، كما يساهم في تليين عنق الرحم بالنسبة للحوامل لتسهيل عملية الولادة.

تجّار "الكابة"

تكشف إحصائية خاصة حصلت عليها "العربي الجديد"، عن ضبط 5278 علبة من دواء "كولبوتروفين" الإسرائيلي من بين 27583 علبة دواء مغشوش ومقلد تم ضبطها عبر قسم محاربة التهريب التابع للمديرية العامة للجمارك الجزائرية، خلال العام 2015، فيما تمكنت المديرية العامة للأمن الجزائري من حجز 393429 دواءً مغشوشاً وممنوعاً، من بينها 2560 علبة كولبوتروفين خلال العام نفسه.



ويكشف مصدر مطلع من مديرية مكافحة الغش التابعة للجمارك الجزائرية، أن أدوية كولبوتروفين المغشوشة، تصنع في مخابر في الهند والصين ليتم تعليبها في مصانع فرنسية تقلد منتوجات مخبر "تيراماكس" theramex الكائن مقره في موناكو، وهو فرع معتمد في فرنسا تابع لشركة "تيفا" الإسرائيلية لصناعة الأدوية التي يقع مقرها الرئيسي في منطقة بتاح تكفا، شرقي تل أبيب، حسب ما يوضحه الموقع الالكتروني الرسمي للشركة الإسرائيلية، بينما يدخل دواء كولبوتروفين الأصلي عن طريق التهريب إلى الجزائر، إذ إنه غير مسجل ضمن قائمة الأدوية المستوردة التي تدخل السوق الجزائرية.

ويضيف المصدر الذي تحفظ على الكشف عن هويته، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن أدوية كولبوتروفين تهرب بواسطة تجار الحقائب أو ما يعرف بمهربي "الكابة" على مستوى المطارات والموانئ الأوروبية نحو الجزائر، لتُخفى وسط الأمتعة والملابس ثم تباع لصيادلة جزائريين متواطئين مع مستوردين في الخارج، وهي طريقة تتكرر مع أدوية أخرى، كما يؤكد البروفيسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي، والذي أكد عبر الهاتف لـ"العربي الجديد"، أن عدة أدوية مقلدة ومغشوشة تصنع في دول شرق آسيا، لتدخل الجزائر عبر السوق الأوروبي.


خطر الدواء الإسرائيلي

يوضح الصيدلاني توفيق صافر، أن تركيبة دواء كولبوتروفين الأصلية تحوي على مرطب الفازلين، وبولي إيزوبوتين، وسيسكيوليات السوربيتول (Arlacel 83) والسيليس الغرواني اللامائي، والمياه المطهّرة، إلى جانب مواد حافظة، هي باراهيدروكسيبنزوات الميثيل الصودي (E 219)، باراهيدروكسيبنزوات البروبيل الصودي (E 217)، فيما يتكون غشاء الدواء من الجيلاتين والغليسرول والديمتيكون.

وتظهر نتائج التحليلات الكيميائية لمكونات عينة من "كولبوتروفين" مغشوش، حصلت عليها "العربي الجديد" عبر مديرية مكافحة الغش التابعة للجمارك، أن الدواء المقلد يحوي على جزئيات من الحجر الكلسي ومركبات الثاليدوميد الخطيرة، ونسبة عالية من المادة الحافظة باراهيدروكسيبنزوات الميثيل الصودي (E 219)، وكذا تكاثر لخلايا بكتيريا النَيْسَرِيّة البُنِّيّة Neisseria gonorrhoeae داخل الدواء.

وتحذّر الدكتورة عايدة بن قروي النّساء والحوامل من شراء الأدوية المهربة، خاصة كولبوتروفين، حتى لو كانت أصلية غير مقلدة، إذ لا تخضع تلك الأدوية للإجراءات الرقابية المطلوبة وغالبا ما تفقد مفعولها العلاجي بسبب سوء التخزين واحتوائها مواد كيميائية ضارة ما يهدد صحة مستهلكها.

تضيف بن قروي، لـ"العربي الجديد": "عدم احترام مصنعي كولبوتروفين للكمية اللازمة لمادة باراهيدروكسيبنزوات الميثيل الصودي (E 219)، يسبب لمستهلكيها الحساسية الجلدية والتهابات حادة على مستوى المهبل وعنق الرحم تتحول إلى نزيف حاد في حالة تواجد جروح، وتمنع مركبات الثاليدوميد نمو أوعية دموية جديدة للجنين وتحدث له تشوهات خلقية، كما يؤدي الأمر إلى تكاثر خلايا بكتيريا النَيْسَرِيّة البُنِّيّة، ما يؤدي إلى التهاب الأعضاء التناسلية للمرأة والالتهاب الحوضي، والذي في حال عدم معالجته قد يؤدي للعقم".


عقوبات قانونية

يُعاقب قانون العقوبات الجزائري المعدل في يوليو/ تموز 2015، في المادة 431 بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة 10 آلاف إلى 20 ألف دينار (83 إلى 166 دولارا) كل من يغش أو يعرض أو يضع للبيع أو يبيع مواد صالحة لتغذية الإنسان أو الحيوانات أو مواد طبية أو مشروبات أو منتوجات فلاحية أو طبيعية يعلم أنها مغشوشة أو فاسدة أو مسمومة.

وتنصّ المادة 432 المعدلة من قانون العقوبات على أنه إذا ألحقت المادة الغذائية أو الطبية المغشوشة أو الفاسدة بالشخص الذي تناولها، أو الذي قدمت له، مرضا أو عجزا عن العمل، يعاقب مرتكب الغش وكذا الذي عرض أو وضع للبيع أو باع تلك المادة وهو يعلم أنها مغشوشة أو فاسدة أو سامة، بالحبس من 5 سنوات إلى 10 سنوات وبغرامة من 500 ألف إلى مليون دينار (4160 إلى 8330 دولارا)، ويعاقب الجناة بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة وبغرامة من مليون إلى مليوني دينار، إذا تسببت تلك المادة في مرض غير قابل للشفاء، أو في فقد استعمال عضو أو في عاهة مستديمة، ويعاقب الجناة بالسجن المؤبد إذا تسببت تلك المادة في موت إنسان.



بالرغم من أن الجزائر لا تعترف بوجود الكيان الصهيوني ولا تربطها أي علاقات مع إسرائيل، إلا أن المشرع الجزائري لم يقم بسن مواد أو تشريعات تجرّم إقامة علاقات مع كيان الاحتلال أو التطبيع معه. ويتساءل المحامي والناشط في مواجهة التطبيع، عبد الحفيظ كورتل، عن سبب ترك هذا الفراغ القانوني من قبل السلطة التشريعية والذي سمح لبعض الجزائريين بالتطبيع مع العدو تجاريا، في ظل عدم وجود قوانين تجرم إدخال السلع الإسرائيلية وبيعها في الأسواق الجزائرية.

ويكشف خالد بن إسماعيل، عضو المؤتمر القومي العربي ورئيس التنسيقية الجزائرية لمناهضة التطبيع مع إسرائيل، أنه قدم مشروع قانون للبرلمان الجزائري يجرم تطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال في كافة المجالات تزامنا مع العدوان الصهيوني على قطاع غزة سنة 2008، لكنه رُفض من طرف النّواب بحجة أن العلاقات الخارجية من صلاحيات رئيس الجمهورية، 
ويقول بن إسماعيل لـ"العربي الجديد": "لا يمكن أن نفهم سكوت وزارتي الصحة والتجارة عن دخول وبيع أدوية إسرائيلية أصلية ومغشوشة إلى صيدلياتنا دون اتخاذ موقف رسمي، في وقت يتنافى هذا مع موقف الشعب الجزائري المناصر لفلسطين".