بازار تركيا الكبير... أقدم سوق مسقوف يستقبل زائريه

بازار تركيا الكبير... أقدم سوق مسقوف يستقبل زائريه من جديد

30 مايو 2020
هكذا يبدو "كابالي جارشي" وسط الإغلاق (الأناضول)
+ الخط -

أنّى دخلت، سواءً من بوابة بيازيد أو بوابة نور عثمانية أو بوابة أورجو أو بوابة المنجدين، فستصل إلى ذلك السوق المسقوف "كابالي جارشي" في إسطنبول أو البازار الكبير.

في الأوّل من يونيو/ حزيران المقبل، يعيد البازار الكبير أو "غراند بازار" فتح أبوابه في تركيا، وتحديداً في مدينة إسطنبول، بحسب ما أعلن مجلس إدارته، بعدما كان قد شمله الإغلاق لأكثر من شهرَين. فهذا السوق الذي يجتذب يومياً عشرات آلاف الزائرين، كان من أوّل المرافق التي أُغلقت في البلاد على خلفية أزمة كورونا، وبقرار من الحكومة التركية للحدّ من تفشّي الوباء العالمي. صحيح أنّ السوق الأكبر في إسطنبول لن يفتح بواباته كلها مرّة واحدة، إنّما عشر فقط، لكنّ ذلك سيعيد بعضاً من الروح إلى واحد من أبرز معالم إسطنبول السياحية والتجارية. بموازاة الفتح الجزئي للبازار الكبير، سيُستعاد النشاط كذلك في "السوق المصري" وباقي مراكز التسوّق والمعالم الكبرى في المدينة. فالاستمرار في الإغلاق أمر مكلف، ولا يمكن أن يدوم طويلاً، إذ لا بد للحياة من أن تعود من جديد، وإن بحذر وسط تباعد اجتماعي.

والبازار الكبير الذي أنشئ في عهد السلطان محمد الثاني "الفاتح" ما بين عامي 1451 و1481، يُعَدّ من أكبر وأقدم البازارات أو الأسواق المسقوفة حول العالم، إذ تبلغ مساحته 30 ألفاً و700 متر مربع مع أكثر من 60 شارعاً وزقاقاً وأربعة آلاف متجر، علماً أنّ البازار توسّع في أزمنة متعاقبة ليشمل خدمات مختلفة إلى جانب الأعمال التجارية المباشرة. وهو يضمّ كذلك مطاعم، لعلّ آخرها مطعم الطاهي نصرت غوكشيه (يُعرف باسم شيف الملح) الشهير في العام الماضي، ومسجد وحمّام وقسم شرطة خاص به، كأنّما هو حيّ أو منطقة بحدّ ذاتها.

قد يُسأل عن بوابات السوق المسقوف البالغ عددها 22 وعن تفرّعه في 64 شارعاً، أمّا الجواب فهو "التخصّص". بهدف ضمان عدم توه المتسوّقين فيه، حتى الذين اعتادوا ارتياده، وُجدت البوابات بحسب التخصّصات. مثلاً، الساعي إلى شراء الذهب والمجوهرات يدخل من بوابة بايزيد ويتّبع الإرشادات. ومن يطلب السجاد ومصنوعات الصوف، فعليه التوجّه إلى بوابة زينكيري، ومن يرغب في التحف والصناعات العثمانية فبوابة مسجد النور أو بوابة ميركان.



وتاريخ البازار الكبير الذي وُجد أساساً ليرفد آية صوفيا بالتمويل زاخر بالأحداث ومنها كوارث عدّة. فهو عانى من أضرار جسيمة من جرّاء زلازل وحرائق. في عامَي 1701 و 1750 احترق السوق المسقوف قبل أن يقع زلزال عام 1766 ويخلّف فيه أضراراً. ثمّ كانت حرائق جديدة في عامَي 1791 و1826، وبعدها زلزال إسطنبول الكبير في عام 1894، أمّا الحريق الأخير فقد وقع في عام 1954، لتستمرّ أعمال الترميم بعد ذلك لمدّة خمس سنوات.

وقد انتهى السوق المسقوف بشكله الحالي بعدما تولّى ترميمه سليمان القانوني في عهده الممتد ما بين 1520 و1566، فنقله من الخشب إلى الحجر، واشتمل منذ ذلك الحين على حرف يدوية إلى جانب عمليات البيع والشراء. على سبيل المثال، ثمّة شوارع تختصّ ببيع المصنوعات الجلدية والأثاث، وأخرى بصناعة الحلوى التركية التقليدية وفي مقدّمتها الحلقوم التركي، علماً أنّ الشوارع اكتسبت أسماء المهن، إذ نجد شارع الذهب وشارع النحاس وشارع الحدادين وغيرها.

قد لا يعرف كثيرون أنّ الأسعار في السوق هي الأغلى في إسطنبول، لكنّها تخضع لـ"المكاسرة" ويُفاجأ الشاري الذي لم يدخله من قبل بأنّ السعر قد يتراجع إلى نصف إعلانه الأول. كذلك ونظراً إلى حجم المحال ومن ورائها، بات لبعضها علاقات تجارية مع دول وشركات عالمية كبيرة. فكمّية الذهب التي تُشحن من السوق يومياً هائلة، وكذلك ما تبيعه محال الجلديات والمصنوعات التراثية، خصوصاً تلك المستخدمة في الأعمال الدرامية والسينمائية. يُذكر أنّ ملابس الممثلين في الأعمال التركية التاريخية بمعظمها، تُشترى من البازار الكبير. من جهة أخرى، ثمّة دكان في السوق يعود إلى أكثر من 155 عاماً، تتعامل معه كبرى شركات الإنتاج في هوليوود لاستيراد الملابس والأقمشة بهدف استخدامها في الأعمال السينمائية، كذلك تعمد شركات الإنتاج التركية إلى الشراء منه لمسلسلاتها المشهورة، مثل قيامة أرطغرل. والسوق بحسب آخر المعطيات المتوفرة، يضمّ نحو 2500 متجر، فضلاً عن محال خاصة بالحرف ومقاهٍ ومطاعم، في حين أنّ عدد العاملين في السوق يفوق 26 ألف شخص. أمّا عدد زائري السوق في العام الماضي، فقُدّر بنحو 100 مليون زائر.



تجدر الإشارة إلى أنّ مشاهدة هذا السوق بالعين المجرّدة تختلف كلياً عن أيّ وصف أو تصوير. إلى ذلك فإنّ المؤلّف الأميركي دان براون في روايته "الجحيم" خصّص جزءه الأخير لمعالم عدّة في إسطنبول، حيث تنقّل بطل روايته، وكانت بالتالي للسوق المسقوف "كابالي جارشي" حصّة كبيرة.