رمضان تركيا... المحيّا والمسحراتي والبيدا في مواجهة كورونا

رمضان تركيا... المحيّا والمسحراتي والبيدا في مواجهة كورونا

16 مايو 2020
المسحّراتي صامد رغم الوباء (إسراء حاجي أوغلو/ الأناضول)
+ الخط -

لم تغب العادات والعبادات في خلال "سلطان الشهور" مثلما يسمّي الأتراك شهر رمضان، وإن انحسرت قليلاً بعد إعلان الجمهورية في عام 1923. أمّا اليوم، فقد أتى فيروس كورونا ليهدّد طقوساً لطالما تفاخر بها الأتراك.

لا شكّ في أنّ العادات تبدّلت في رمضان تركيا الذي حلّ وسط أزمة كورونا. ففي حال لم تتغيّر أمزجة الأتراك ونفسياتهم من جرّاء ما تفرضه الأزمة من تدابير مشدّدة للحؤول دون تفشي الفيروس، فإنّ البطالة المستجدة وكذلك تراجع الدخل أثّرا على بعض الطقوس ونالا على الأرجح من تنوّع الموائد التي كان يتفاخر بها الأتراك احتفاء بشهر الصيام. 

ربّما يكون الحديث عن تغيّر في العادات الرمضانية في منازل تركيا أشبه بتعميم غير دقيق. لكن ما يمكن تأكيده هو أنّ ثمّة عادات نجحت في "التمرّد" على ما يفرضه الوباء العالمي من حظر وما إلى ذلك. ومن تلك العادات الصامدة في وجه الفيروس الجديد في رمضان، نذكر المحيّا والمسحّراتي والبيدا.

عادة المحيّا التي تتميّز تركيا بها عن بقيّة الدول الإسلامية، ما زالت قائمة اليوم رغم كلّ الحظر المفروض. وتظهر اللافتات الضوئية التي تربط ما بين مآذن الجوامع على شكل حبال من أضواء، وقد كُتبت عليها عبارات دينية وأخرى خاصة بشهر رمضان، مع شعار خاص بالشهر. وهذا العام، يأتي الشعار (إذا صحّ التعبير) "رمضان والوعي بالمسؤولية". ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ "المحياجي" هو من يمتهن المحيّا. ولعلّ الأبرز اليوم في هذا المجال هو كهرمان يلديز (64 عاماً) الذي يفتخر أنّه تتلمذ على يد آخر محياجي في العهد العثماني حاجي علي جيهان.

تماماً كما المحيّا، يصمد المسحّراتي في وجه كورونا. وهذه العادة الرمضانية مشتركة مع دول إسلامية عدّة، خصوصاً بلاد الشام. ويُذكر أنّ تعميماً صدر عن وزارة الداخلية في تركيا قبيل شهر الصيام بشأن التدابير الخاصة بمكافحة تفشّي فيروس كورونا في خلاله، وقد استثني المسحّراتي من المنع الذي طاول مظاهر وعادات أخرى. لكنّ الاستثناء أتى شريطة عدم السماح للمسحرّاتي بطرق الأبواب أو أخذ بقشيش من الناس، كما كانت الحال في السنوات الماضية.



وكما المحيّا والمسحراتي العادتان اللتان لا يمكن تخيّل رمضان تركيا من دونهما، كذلك الأمر بالنسبة إلى البيدا التي تفرض وجودها، لا سيّما أنّها من مستلزمات مائدة الأتراك الرمضانية. فقد سمحت السلطات للأفران بخبز البيدا طوال النهار وحتى ساعة السحور. وبيدا خبز رمضاني خاص، يأتي سميكاً وعلى وجهه سمسم وحبّة البركة السوداء. وعلى الرغم من السماح للأفران بخبزه، فإنّ البلديات في بعض الولايات تعمد إلى توصيل البيدا إلى المنازل مجاناً، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على تقاليد الشهر وبهجته.

في مقابل هذه العادات الصامدة، ثمّة أخرى تمكّن منها فيروس كورونا في خلال رمضان تركيا الجاري. قبل كلّ شيء، اعتمدت هيئة الشؤون الدينية أسلوب الحساب الفلكي لتحديد بداية هذا الشهر بدلاً من الارتكاز على رؤية الهلال مثلما كانت الحال، ومثلما هو متّبع في معظم الدول الإسلامية.

كذلك، ومن العادات التي يتمسّك بها الأتراك، في إسطنبول خصوصاً، غابت زيارة جامع "الخرقة النبوية الشريفة" الذي يفتح أبوابه في خلال شهر رمضان عادة أمام الراغبين في رؤية "بردة الرسول" التي أحضرها السلطان سليم الأول إلى إسطنبول في عام 1516. وتُعَدّ زيارة الجامع الكائن في حيّ الفاتح أمراً مهماً إذ لا يسمح بها في أيام السنة الباقية، وهي متاحة ابتداءً من النصف الثاني من شهر رمضان خصوصاً للنساء.

وليس من السهل على الأتراك تقبّل غياب صلاة التراويح في المساجد والتي هي من العادات المتأصلة في شهر رمضان. ويفتقدها المؤمنون هذا العام، مثلما يفتقدون ما يتخللها من توزيع العصير وكذلك الحلوى على الأطفال، سواءً من قبل المصلّين أو من موظفي البلدية الذين ينتظرون بسياراتهم أمام المساجد الكبرى ليقدّموها للناس بعد انتهاء الصلاة. إلى جانب التراويح، غابت عادة قراءة القرآن في المساجد طيلة شهر رمضان. فالناس كانوا يقصدونها في خلال نهارات رمضان للقراءة وطرح الأسئلة بعد دروس وعظية يقدّمها أئمة أو خطباء، فيما يقوم القرّاء بالدعاء الجماعي الخاص بختم قراءة القرآن.



ولا يبدو رمضان على حاله من دون موائد الرحمن التي تُعَدّ من أكثر العادات التركية الشعبية. فقد اعتاد الأتراك ومن يزورهم في خلال هذا الشهر على إفطار ساخن وطازج للصائمين في الشوارع والميادين تقدّمه عادة البلديات مجاناً وفي أكبر وأشهر ساحات الولايات والمدن الرئيسية. وتكون الدعوة إلى موائد الرحمن مفتوحة أمام الجميع، من سكان وسيّاح مسلمين وغير مسلمين.