تشهد القدس المحتلة انتخابات بلدية اليوم الثلاثاء، من ضمن الانتخابات المحلية في كل أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، على وقع استمرار رمضان دبش بترشيحه، رغم الرفض الشامل للمقدسيين العرب، بعد انسحاب مرشحَين مقدسيَّين آخرين منها هما عزيز أبو سارة، وعايدة قليبو. دبش المولود في قرية صور باهر بالقدس لعائلة فلسطينية، حاصل على الدكتوراه في الهندسة المدنية، ويشغل منصب رئيس الإدارة البلدية المحلية في القرية صور باهر، وسبق أن أعلن في مارس/آذار الماضي، نيته الترشح لخوض الانتخابات البلدية الإسرائيلية لشغل مقعد في مجلس بلدية القدس.
ومنذ احتلال القدس عام 1967، تُعتبر هذه المشاركة الأولى من نوعها لمرشح مقدسي عربي في الانتخابات البلدية في المدينة، إذ لم تشارك أية أحزاب عربية في الانتخابات على الإطلاق. ووفقاً لفصائل العمل الوطني والإسلامي في القدس المحتلة، تعتبر المشاركة في الانتخابات بمثابة اعتراف بسلطة الاحتلال على القدس، لذا طالبت المقدسيين وحثتهم سياسياً وبفتاوى دينية على مقاطعتها، وهو ما أكد عليه القيادي في حركة فتح حاتم عبد القادر، والمحلل راسم عبيدات في حديثهما لـ"العربي الجديد" في وقت سابق.
سياسياً، يرى دبش أن معنى التصويت في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) باعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، هو "أن ليس هناك ما يمكن فعله، فالقدس كانت عاصمة إسرائيل طوال الخمسين عاماً الماضية، وإذا أردنا أن نقود التغيير في القدس الشرقية، فعلينا أن نشارك. من الممكن أن نبقى معلقين بين السماء والأرض، ولا نحصل على خدمات من إسرائيل أو من فلسطين"، وفق أقواله التي نقلتها عنه صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في وقت سابق من الشهر الماضي.
يذكر أنه في يوم نجاح الحاخام أبراهام هشوك كوك في تمرير قانون بالكنيست باعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، قام رمضان دبش باقتراح أن تقوم بلدية صور باهر بتكريم الحاخام كوك، قائلاً: "إنه ليوم شديد الخصوصية للحاخام كوك. ففي الأسبوع الماضي كان يلف حول مبنى الكنيست بهدف جمع توقيعات أكبر عدد من أعضاء الكنيست لدعم مشروع القانون. إن الحاخام كوك هو دليل على أن بإمكاننا التعلم من الماضي والعثور على قواسم مشتركة بيننا، العرب، واليهود. الحاخام كوك كان يرعى الأقلية العربية، ومثل هذا الرجل العزيز يجب أن نحترمه". وعن الأوضاع في بلدته صور باهر، يحاول دبش تصوير واقع قريته جراء سياسة الإجحاف والإهمال نتيجة تعامل سلطات الاحتلال مع سكان قريته، لهذا يجد في ترشحه مناسبة تبرر استمرار ترشحه رغم ما يُتهم به من تطبيع مع الاحتلال وتمرير لسياساته.
وفي ذلك يُنقل عنه قوله إن "معظم سكان صور باهر يدفعون الضرائب البلدية والضرائب العامة والضرائب العقارية، ولكن في الواقع لا يوجد في البلدة أي ملاعب أو حمام سباحة بلدي. بل هناك أماكن في صور باهر غير مرتبطة بالصرف الصحي. ألا يكفي ذلك؟ إنها فجوة خمسين عاماً". ويضيف أن "بعض الناس يعارضون، ويقولون إن ما يحدث هو تطبيع علاقات مع إسرائيل، ولكني أقول لهم إن هذه البلدية وهذا البلد ملك للجميع، لا أقول لهم تخلوا عن الأقصى، أو اعتنقوا الديانة اليهودية أو تخلوا عن الهوية الفلسطينية، ولكننا يجب أن يكون لنا دور".
يتحدث مقدسيون على معرفة بدبش، عن أن الأخير تجمعه علاقات قوية بسياسيين ومسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، ووصف نفسه من قبل بـ"ناشط الليكود". وكان قد التقى وزير القضاء الإسرائيلي الأسبق، يوسي بيلين وطلب منه دعم حركته. وفي الأيام القليلة الماضية، نشط دبش وعلى نطاق واسع للترويج لنفسه ولقائمته الانتخابية التي سماها "القدس بلدي برئاسة رمضان دبش"، وجنّد لهذا الغرض فتية وشباناً عاطلين من العمل ليشتغلوا مراقبين على صناديق الاقتراع اليوم، وقد وزّعوا ملصقات لحملته الانتخابية.
وعلى صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، نشر دبش إعلانات يطلب فيها أيضاً سائقين في يوم الانتخابات، إضافة إلى طلب لوظيفة ناشط ميداني، واعداً من يتقدم للعمل معه بـ"أجرة عالية للملائمين". كما تضمنت منشوراته على صفحته، بيانات وتعليمات توعوية عمن يحق له التصويت، وكيفية الاقتراع، وبأن التصويت هو حق لجميع سكان القدس باختلاف دياناتهم وليس فقط لمن يحمل الجنسية الإسرائيلية.
عن تلك الجولة التي قام بها بركات في المخيم، كتب دبش على صفحته على "فيسبوك" منتقداً: "كان نير بركات مرتاحاً خلال 10 سنوات من أن يتطرق لسكان حي مخيم شعفاط، من دون أن يوفر لهم الصحة والنظافة والتعليم، ولذلك فإن منظمات المساعدات الإنسانية دخلوا في الصورة وعملوا ما كان واجباً على البلدية عمله منذ زمن. كان ذلك مريحاً للبلدية، توفير ميزانيات لمدة 10 سنوات لنحو 95 ألف مقدسي الآن، وعندما اشتمّ نير بركات رائحة فرصة سياسية (للركوب على ظهر قضية أونروا) قرر أن يرمي فتات ميزانية 2018 لسكان مخيم شعفاط".
الشارع المقدسي المنهمك في هذه الأيام بقضايا مصيرية تتعلق بعقاراته وأراضيه وبمسجده الأقصى، لا يهتم للحملات الانتخابية. كما ترى الغالبية العظمى من المقدسيين، أن دبش لا يمثل إلا نفسه. وقال أحد النشطاء لـ"العربي الجديد"، إن "دبش ممعن في توجهاته الكريهة بشأن انتخابات بلدية الاحتلال، ولم يتعلم من الدرس الذي لقنه المقدسيون لمرشحين آخرين هما: عزيز أبو سارة وعايدة قليبو حين رشقوهما بالبيض، ثم ما لبثتا لاحقاً أن انسحبتا من الترشح".
وتقول إحدى السيدات المقدسيات من حي بيت حنينا شمالي القدس، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنها "فوجئت قبل أيام بقيام فتية صغار بتوزيع ملصقات لحملة دبش وإلصاقها على سيارتها. وحين حاولت الاستفسار منهم عن طبيعة تلك الملصقات فرّوا هاربين"، مشيرة إلى أنها "قامت بتمزيق تلك الملصقات وإلقائها في حاوية النفايات". وتضيف أن "هذا الشخص منبوذ في قريته. والقدس كلها تنبذه، وهو لا يمثلنا أبداً".