اليمن: تهاوي العملة يفاقم الغلاء والجوع

أسواق اليمن-اقتصاد-3-4-2016(فرانس برس)
12 يوليو 2020
+ الخط -

اعتادت أسرة طاهر الشميري على استلام عبوة 50 كيلوغراماً من مادة القمح والدقيق مطلع كل شهر، تقدمها منظمات أممية منذ السنة الثانية للحرب المتصاعدة باليمن، ليسد بها جوع أطفاله في ظل ارتفاع مهول لأسعار السلع الأساسية وانعدام مصادر الدخل، لكن الأسابيع المقبلة لا تبدو مطمئنة لهم ولملايين الأسر اليمنية الفقيرة.

ومن إجمالي نحو 13 مليون يمني يتلقون مساعدات غذائية شهرية، تعتمد أسرة الشميري بشكل كلي على ما يقدّمه لها برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة من معونات غذائية تشمل القمح والدقيق وزيت الطبخ المنزلي بالإضافة إلى عبوات خاصة بالمكملات الغذائية للأطفال والحوامل بهدف حمايتهم من سوء التغذية الوخيم.

بالنسبة للمواطن الشميري، والذي يعمل في مهنة الطلاء، فقد أزاحت المساعدات الأممية عن كاهله الكثير من الهموم، نظراً لانتظامها بشكل شهري منذ أكثر من 4 سنوات، لكن التلويح الأممي المتكرر بتوقفها خلال الأسابيع القادمة بدأ يصيبه بخيبة أمل كبيرة. ويرى الشميري الذي يعيل 6 أولاد ويقطن بمدينة تعز، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن توقف المساعدات الأممية في هذه الظروف الحرجة التي تنهار فيها العملة المحلية إلى مستويات قياسية ستكون له عواقب وخيمة عليه وعلى كافة الأسر التي تتلقى إغاثات.

وقال: "عبوة القمح بمفردها يصل ثمنها إلى 16 ألف ريال يمني (ما يعادل 25 دولاراً)، فضلاً أن الغلاء فاحش في أسعار كافة أصناف السلع الغذائية، وليس بمقدورنا تحمّل هكذا ظروف، ونأمل ألا تنقطع المعونات بشكل تام".

ويعتقد تجار مواد غذائية في تعز أن بمقدور الأمم المتحدة تقليص حجم المساعدات وعمل مسح ميداني جديد للبحث عن هوية شريحة الفقراء إذا كانت هناك فجوة حقيقية بالتمويلات، وخصوصاً أن بعض المستفيدين يقومون ببيعها فور استلامها.

وقال تاجر، طلب عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إن هناك عشرات الأسر تقوم ببيع مساعداتها لاستخدام المردود المالي في شراء احتياجات أخرى أو سداد إيجارات منازلهم، لكن هناك المئات ليسوا بحاجة لأي نوع من المساعدات ومن المفترض شطبهم من قوائم الإغاثة.

ووصل سعر صرف العملة اليمنية في المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها، مساء السبت، إلى 750 ريالاً أمام الدولار و199 ريالاً أمام العملة السعودية، بانخفاض يزيد عن 30 بالمائة مما كان متداولاً العام الماضي، وهو ما تسبب بقفزة غير مسبوقة بأسعار السلع الأساسية والأدوية وكافة البضائع المستوردة من الخارج، فيما لا يزال بحدود 610 ريالات أمام الدولار الواحد بمناطق الحوثيين.

وتدهورت القدرة الشرائية جراء ارتفاع الأسعار بصورة كبيرة، ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، فقد أظهرت البيانات في يونيو/ حزيران الماضي أن تكلفة سلة الحد الأدنى من الأغذية ارتفعت بنسبة 12 بالمائة مقارنة بفترة ما قبل كورونا (فبراير/ شباط الماضي).

ونظراً لتفاوت أسعار صرف العملة من محافظة إلى أخرى، أكّد تقرير أممي، اطلعت عليه "العربي الجديد"، أن محافظتي عدن ولحج شهدتا أعلى ارتفاعات في أسعار سلة الحد الأدنى من الأغذية، بنسبة زيادة تراوحت بين 35 و27 في المائة على التوالي. وحذّر التقرير الصادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية من أن سعر صرف الريال اليمني قد يصل إلى 1000 مقابل الدولار الواحدة بحلول نهاية العام الجاري، وهو ما يدفع اليمن إلى حافة المجاعة على نطاق واسع.

ويبدو أن الظروف ستتكالب على المواطن اليمني مع كل اتجاه، فخلافاً لانهيار العملة، قضى فيروس كورونا على نسبة 80 بالمائة من التحويلات الخارجية التي كانت تغذي النقد الأجنبي بالبلد، ومع عدم إيفاء مجتمع المانحين بتعهداته، سيؤدي توقف المساعدات الإنسانية للقضاء على آخر رمق للعيش، كما تتخوّف المنظمات الأممية.

وعقب نداء استغاثة عاجل أطلقه برنامج الأغذية العالمي لتمويل عملياته بـ200 مليون دولار شهرياً، حذر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي من تعرض 20 مليون يمني للمجاعة جراء عدم وجود تمويلات. ومطلع العام الجاري كان سقف الأمم المتحدة وخطة الاستجابة الإنسانية مرتفعاً للغاية، عندما طلبت أكثر من 3.2 مليارات دولار لتمويل عملياتها، للعام كاملاً، أو 2.42 مليار دولار لستة أشهر (من يونيو/ حزيران وحتى ديسمبر/ كانون الأول المقبل)، لكن النكسة حصلت عندما أخفقت السعودية في حشد الدعم الدولي، حيث أثمر مؤتمر مانحي الرياض، الذي عقد في 2 يونيو الماضي، عن 1.35 مليار دولار فقط.

وعلى الرغم من أن تمويلات مؤتمر الرياض قد تركت فجوة بما يزيد عن مليار دولار، بحسب الأمم المتحدة، إلا أن الجهات المانحة لم تف حتى الآن سوى بـ558 مليون دولار فقط حتى مطلع يوليو/ تموز الجاري، وهو ما يجعل العمليات الإغاثية على شفا الانهيار. وبدأت الأمم المتحدة بتقليص عملياتها، إذ تم إغلاق 31 من أصل 41 برنامجاً إنسانياً في أواخر إبريل/ نيسان الماضي، كما أن المساعدات الغذائية لم تصل سوى إلى 9.5 ملايين نسمة مطلع مايو/ أيار الماضي، بعد أن كانت 13.7 مليون في مارس/ آذار الماضي.

المساهمون