النفط في ظل أوبك

النفط في ظل أوبك

29 أكتوبر 2014
حقول النفط في العراق(وكالة الاناضول/getty)
+ الخط -
لحظة بدأ تنظيم "داعش" يتمدد في العراق وسورية، كانت مراكز الأبحاث والشؤون ‏النفطية تراقب سير ‏أسعار النفط. وذلك في ظل تراجع حركة الاقتصاديات ‏الدولية وانخفاض مستويات النمو العالمي. ‏
وأشارت غالبية الدراسات الاستراتيجية إلى توقعات بانخفاض أسعار النفط ما بين ‎‏%18 إلى 20%. ‏وربطت هذا الانخفاض بالمخاطر الاستراتيجية في الإمدادات من منطقة ‏الشرق الاوسط. إضافة إلى ‏المخزون النفطي العالمي الذي تفوّق على الطلب الضعيف. واقع، أدى إلى تراجع الأسعار تدريجياً. ‏
المفاجأة، أن السوق العالمية ما زالت تزدهر بالإمدادات على الرغم من ‏تحديات الأمن الدولي، وفي مقدمتها ‏الاضطراب في الشرق الاوسط. إذ لا يزال النفط ‏العراقي يتدفق إلى الأسواق. ويتم تصريف النفط الروسي ‏على الرغم من حزمة ‏العقوبات الأوروبية على موسكو. في حين أن وضع الإنتاج الإيراني القياسي لا يزال ‏مستمراً، والإنتاج الليبي شبه متوقف. ‏
وهنا تكمن الأحجية الحقيقية. إذ كان من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي، خلال العام الحالي بواقع مليوني برميل يومياً، وهو ما لا تستطيع ‏دول "أوبك" تغطيته. وكان السيناريو يقوم على أن تغطي دول من ‏خارج أوبك ارتفاع الطلب. لكن مؤشرات الطلب العالمي خلال ‏الربع الثاني والثالث كانت خارج التوقعات، ‏حيث لم يتعد الـ 800 ‏ألف برميل/يوم. وهو ما جعل الأسعار تنخفض إلى هذا المستوى.‏
ويأتي هذا التغيّر، مع تنبؤ صندوق النقد الدولي في تقرير له مطلع الشهر الحالي بانخفاض ‏نمو الإقتصاد ‏العالمي هذا العام وفي عام 2015. وبيّن أن السبب الرئيسي وراء الانخفاض، هو الضعف ‏المستمر ‏لاقتصاد منطقة اليورو وبطء نمو الاقتصادات الناشئة الرئيسية.‏
وقد وفّر بقاء أسعار برميل النفط عند 100 دولار على مدى أكثر من ثلاثة أعوام، استثمارات كبيرة في ‏قطاع النفط، مما جعل الإمدادات مستمرة من ‏دون انقطاع. وأمن استمرارية مرحلة الاكتفاء للدول ‏المستهلكة وخزينها ‏الاستراتيجي. هذا الواقع، مكّن العالم من أن يتمتع بهامش من الحركة والقدرة على ‏إدارة ‏الطلب على الطاقة بصورة رشيدة وفاعلة.‏
في المقابل، كانت استثمارات الدول المنتجة للنفط عمودية فقط. بحيث لم يتم التوسع أفقياً في الصناعة ‏النفطية، مما وضع الدول التي تعاني نزاعات واضطرابات في مواجهة تحديات مالية كثيرة، خصوصاً ‏العراق واليمن.‏
أما دول الخليج، فقد نجحت إلى حد ما في معالجة إشكالية التوسع في إدارة ‏قطاع النفط، نتيجة الاستقرار ‏الأمني واستقرار العوائد ‏المالية من النفط وإنتاجه. لذا تم توفير هامش كبير للمشاريع التنموية الكبرى ‏مقارنة ‏بالعراق واليمن وإيران وليبيا.‏
برغم كل هذه الأحداث المتوقعة والمفاجئة، لا تزال فرص نمو الأسعار متوافرة. فكلفة إنتاج النفوط غير ‏التقليدية في ‏الولايات المتحدة الأميركية ما زالت مرتفعة جداً. إضافة إلى أن العقوبات الدولية على الدول ‏المنتجة للنفط من الممكن أن تتنامى، مما قد يؤثر على استقرار الإمدادات النفطية ونقص ‏الاحتياطات ‏والخزين الاستراتيجي للدول المستهلكة.‏
إضافة إلى ذلك، مؤشرات جودة النفوط الجديدة ما زالت غير واضحة المعالم. ‏خصوصاً وأن الأعماق التي ‏يجري فيها الحفر والاستخراج تواجهها العديد من ‏المخاطر والتحديات. ‏
الأكيد، أن استمرار الاضطرابات في كل من سورية وليبيا والعراق واليمن وأوكرانيا ‏وإيران، قد يؤثر بشكل ‏كبير على عودة استقرار الأسعار نحو الـ 90 دولاراً و100 ‏دولار خلال الربع الأخير من هذا العام. ولا سيما ‏أن الصراعات في هذه البلدان ‏والعقوبات المفروضة على البعض منها، تؤشر أنها ستستمر بصورة ‏كبيرة. ‏إذ إن موجة الإرهاب التي يقودها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق ‏والشام (داعش) قد تستمر نتيجة ‏عدم وجود رؤية متكاملة للحل. وهو ما ‏يجعل دول "أوبك" تواجه مأزق الاسعار وهبوطها خلال الطور ‏الثاني. أو تسعفها ‏المؤشرات الدولية بإعادة الأسعار إلى وضعها الطبيعي والمقبول.‏
وإن كانت الدول المصدرة للنفط متضررة من انخفاض الأسعار، فإن هذا المسار ‏سينعش اقتصاديات الدول ‏المستهلكة خلال المرحلة المقبلة، وسيعطيها قدرة ‏وحراكا لزيادة المخزون الاستراتيجي للنفط. ‏
وفي ظل التطورات هذه، يتطلب انخفاض الأسعار من الدول المنتجة للنفط، وخصوصاً دول المنطقة ‏المتمثلة بمنظمة "أوبك"، التفكير بحجم الخسائر التي ستتحقق في موازناتها المالية ‏أولاً، وإنتاجها الذي لا بد ‏أن يتم تحديده وفق مؤشرات السوق العالمية ثانياَ.‏

دلالات

المساهمون