النازحون السوريون في لبنان: فقر وبطالة وعوز

النازحون السوريون في لبنان: فقر وبطالة وعوز

04 مارس 2014
+ الخط -
عيونه تصبح صغيرة جداً. ملامح وجهه لا تخبر سوى عن ذكريات صعبة تدور الآن في ذهنه. يحاول أن يتذكر كيف كانت حياته في سوريا قبل أن ينزح قسراً إلى لبنان. "لا أريد أن أتحدث عن هذا الموضوع"، يقول بعدما تتصلب عروق رقبته. يتردد في الإفصاح عن اسمه، ومن ثم يهمس قبل أن يرفع صوته بثقة: "ابراهيم مصطفى الزعمي".

ابراهيم، ابن درعا، نزح مع اولاد عمه إلى بيروت منذ 6 أشهر. يضيف بعدما تتسع عيناه ويحرك يده نحو أذنه، كمن يعيش حالة الرعب ذاتها ولكن في هذه اللحظة: "كنت أخاف من الأصوات ومن الأخبار التي أسمعها".

ودرعا، لمن لا يعرفها، شهدت شرارة انطلاقة الثورة السورية في العام 2011. وفي هذه المنطقة كتب الأطفال على الحيطان عبارات تدعو الى اسقاط النظام السوري.

ابراهيم طفل أيضاً، عمره الآن 16 عاماً، كان يذهب إلى المدرسة، ولكنه تخلّى مجبراً عن كتابه منذ 3 سنوات، واستبدله بعلبة سوداء ثقيلة يجوب بها شوارع بيروت. كان اسمه طالب علم فأصبح ماسح أحذية.

بطالة وعوز

 يعمل ابراهيم من السابعة صباحاً، حتى يحصل على 30 ألف ليرة لبنانية. "قد أبقى حتى التاسعة ليلاً في الشارع لكي أستطيع الحصول على ما يكفي من المال لدفع حصتي في إيجار المنزل وادخار ما يتبقى لإرساله إلى عائلتي في سوريا". إذ لدى ابراهيم 5 أخوة، هو أكبرهم، واخته الصغرى عمرها سنتين. والده لم يعد قادراً على العمل منذ سنة، بعدما أجرى عملية لقلبه، وأصبح ابراهيم "رجل المنزل".

حالة ابراهيم ليست استثنائية، ففي شوارع بيروت عدد كبير من الأطفال السوريين الذين يعملون لمساعدة عائلاتهم. وتقدر المفوضية السامية في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نسبة الأطفال الذين يراوح عمرهم بين 12 و17 عاماً بحوالي 12.6 في المئة من إجمالي عدد النازحين في لبنان. بين هؤلاء عدد كبير من الذين يعملون في أعمال مرهقة لتأمين كفاف يومهم.

وتقول احصاءات المفوضية الصادرة في نهاية فبراير/شباط الماضي أن عدد النازحين السوريين في لبنان وصل الى حوالي 944 ألفاً و397 نازحاً. في حين أن نسبة الذين تتراوح اعمارهم بين 12 و59 عاماً تصل الى 57.5 في المئة، وهؤلاء، يعتبرون وفق واقع النازحين المعيشي والاجتماعي، من القوى العاملة. نسبة كبيرة منهم يعانون البطالة والعوز.

من المدرسة إلى بيع القهوة

في شوارع بيروت أيضاً، يجوب رمضان الشدي حاملاً عدّة القهوة. يسكن رمضان في منطقة صبرا، في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في بيروت. أجرة الغرفة في المنطقة التي تعتبر شعبية جداً، 500 ألف ليرة لبنانية، لذلك يعيش هو وثلاثة نازحين سوريين فيها ويتقاسمون كلفة الإيجار. "أعيش هنا لوحدي، عائلتي تعيش في حلب"، يقول رمضان. يحصّل الأخير من بيع القهوة حوالي 15 ألف ليرة يومياً، مقابل أكثر من 13 ساعة عمل متواصل.

رمضان عمره 15 عاماً، أصرت والدته على النزوح الى لبنان للهرب من هول القصف بعدما ترك مدرسته منذ 3 سنوات، أي منذ بدء الثورة السورية. يقول رمضان: "أعيش كما يعيش أهلي في سوريا، فقر وتعب، ولكن الفارق أنني هنا لا أسمع أصوات القذائف".

الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي يشير في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن البطالة تنتشر بين أكثر من 80% من النازحين السوريين في لبنان، أما من يتبقى فيعمل في الأعمال المؤقتة واليومية".

يشرح الخبير اللبناني أن "التعويل بمعظمه على الاغاثات الدولية ومساعدات الحكومات الغربية والعربية، فهذا ظرف انساني صعب يعيشه النازحون وعلى المساعدات أن تعين هؤلاء لكي يستطيعوا الصمود على قيد الحياة". ويشدد يشوعي على أن تجارب الدول تؤكد أنه لا يوجد إمكانية لتوظيف اللاجئين بهذه الأعداد الضخمة في أسواق البلد المضيف، خصوصاً أن اللجوء مؤقت، وخصوصاً أيضاَ أن عقود العمل تمتاز بالديمومة، وبالتالي لا بد من أن يعمل النازحون في قطاعات تؤمن لهم بعض المدخول في حال لم تستطع المساعدات الدولية تلبية حاجياتهم". ويضيف يشوعي أن نسبة البطالة في سوريا ستصل في نهاية العام الجاري الى 40 في المئة، وعدد كبير من هؤلاء سينزح إلى لبنان، ما سيضاعف مشكلة البطالة والأزمة المعيشية للنازحين.  

بطالة مقنّعة

النازح السوري مازن اسماعيل، عمره 28 عاماً، متزوح وله طفلان، وصل الى لبنان منذ 4 أشهر تقريباً، ووجد غرفة في منطقة الضاحية الجنوبية بكلفة 250 دولاراً أميركياً ليعيش فيها مع عائلته الصغيرة. "نحن نازحون من منطقة الحجر الأسود في الشام" يقول مازن. ويضيف "أبيع الأقلام، سعر القلم 500 ليرة، أحصل بين 10 الى 30 ألف ليرة يومياً".

كان مازن يبيع الورد في سوريا، الآن يقف عند إشارات السير في بيروت، ينتظر ازدحام السيارات، ويجول على أصحابها ليبيعهم قلماً. يتحدث ابن حلب عن معيشته الصعبة "نحصل على مساعدات غذائية قليلة، طفلتي صغيرة جداً وتحتاج للحليب، كثيراً ما تطعمها زوجتي المياه والسكر بدلاً من الحليب الذي لا تؤمنه المنظمات الانسانية بشكل متواصل". تصل الدمعة إلى جفنه: "نحن نعيش الذل، الحياة صعبة جداً هكذا، لا أعتبر نفسي عاملاً فأنا في بطالة فعلية، فمن لا يستطيع تأمين حاجياته الأساسية من مدخوله فهو ليس سوى عاطل عن العمل".

هذا الواقع لا يُخفى عن المنظمات الدولية العاملة في لبنان. تقول الناطقة باسم مفوضية اللاجئين السوريين في لبنان دانا سليمان لـ "العربي الجديد" أنه "يوجد صعوبة كبيرة في حصول النازحين السوريين على عمل في لبنان". تشرح أن "هذا الوضع يؤثر كثيراً على النازحين وعائلاتهم، وبالتالي يتم العمل على إيجاد طرق تضاف الى المساعدات الإغاثية لتأمين العمل لعدد من النازحين".

توضح سليمان أنه "لا يوجد احصاءات دقيقة حول حجم البطالة في صفوف النازحين إلا أن الأكيد أن غالبية العاملين في السوق اللبنانية هم عمال مؤقتون أو موسميون". وتلفت الناطقة باسم المفوضية الى أن "منظمتنا تعمل حالياً مع البلديات على تحسين ظروف العمل للنازحين في عدد من القطاعات التي لا تتوجه نحوها العمالة اللبنانية وخصوصاً قطاع البناء إضافة الى الزراعة".

المساهمون