الموسم الأدبي الفرنسي، لا مفاجأة؟

الموسم الأدبي الفرنسي، لا مفاجأة؟

14 يوليو 2015
لوحة للفنان بهرام حاجو
+ الخط -
إلى عهد قريب، كان لانطلاقة الموسم الثقافي الأدبي والفني والفكري الفرنسي نكهة مميزة تجعل من فرنسا بحقّ بلد "الاستثناء الثقافي"، كما يقال. اللافت أنه ليس ثمة بلد آخر يعرف طقسًا شبيهًا بالطقس الذي تعيشه فرنسا لمدة تقارب الشهرين، وتتوّجه جوائز أدبية وفكرية رفيعة. وكان ذلك يندرج في سياق ديناميكية متواصلة يبقى النقاش حول شغف القراءة وثقافة الكتّاب، أحد معاييرها التوجيهية. وهذه الأخيرة كانت الاعتبار القوي الذي تمنح الجوائز وفقًا له، للأسماء المؤثّرة في مجالاتها. ولا زالت هذه الأسماء، إلى اليوم، المتكأ الذي تستند إليه الثقافة الفرنسية، إلا أن بعض النقّاد الأنغلوساكسونيين عابوا مؤخّراً على الثقافة الفرنسية فقدان زخمها الإبداعي، فهذا ما جاء في تحقيق أجرته صحيفة "الغارديان" البريطانية في شهر يونيو/ حزيران المنصرم، طارحةً السؤال الآتي : "ابتكر الفرنسيون مفهوم (مثقف)، لكن لماذا لم تعد فرنسا اليوم قادرة على إنتاج مثقفين كبار مثلما كان عليه الأمر سابقًا؟". ويبدو أن أجواء الشدّ والجذب والغليان والجدل، الذي كانت تتصارع فيه أفكار وأطروحات مارغريت دوراس، وآلان روب غرييه، وجاك لاكان، وجيل دولوز، وميشيل فوكو، ورولان بارت، وكلود ليفي ستروس، وغيرهم، لم تجد رافدًا يعمّقها ويطورها. كما أن الكتاب والكتابة عامّة فقدا مع وجود "الطفرة الرقمية" ومع ابتذالات العولمة دلالاتهما العميقة، لصالح "العقلية الميركانتيلية" المهتمة بظاهرة "البيست سيلير" أو "الأكثر مبيعًا" وأرقام المبيعات. وقد فرض هذا السياق على الناشرين الفرنسيين ترتيب برامج إصداراتهم وفقًا لتقويم الجوائز وأوقات معارض الكتب الكبرى لكلّ من فرانكفورت، وباريس، وشنغهاي، ومونتريال وغيرها.

اقرأ أيضاً: لمن منصب الشعر في أوكسفورد؟
 
إلا أنه، هذا العام، حدث تغييرٌ لافت، فقد طرحت دور النشر الفرنسية برامج إصداراتها قبل الموعد المعتاد بشهر ونصف الشهر، الأمر الذي يعني عمليًا أنها استبقت الموعد، كي تحجز حيّزًا في الملاحق الأدبية للصحافة المكتوبة وفي البرامج الثقافية للإذاعات وقنوات التلفزيون، التي تتابع الحياة الثقافية. وقد يفسّر ذلك، برغبة تلك الدور في ترويج مختلف وأفضل لمنشوراتها، خاصّة وأن الرواية مثلًا تراجعت بنسبة 3 % عن العام الماضي، فوفقًا للأرقام الجديدة لهذا العام ستصدر ما بين شهري أغسطس/ آب وأكتوبر/تشرين الأوّل خمسمائة وتسع وثمانون رواية، من بينها ثلاثمائة وثلاث وتسعون رواية فرنسية ومائة وست وتسعون رواية أجنبية. أمّا في فئة "أول عمل روائي"، فنجد أيضًا تراجعًا طفيفًا، فهذا العام يبلغ عدد روايات هذه الفئة ستاً وثمانين رواية بينما كان في العام الماضي خمساً وسبعين. 
غير أن اللافت، هذا العام من منظور عربي لو صح التعبير، النسبة الهزيلة للأعمال الروائية التي يكتبها كتّاب فرنكوفيون من أصول عربية، مما يدفع إلى السؤال عن مكانة هذه الأعمال ومستقبلها، إذ إنها قليلًا ما تحظى باهتمام النقّاد والقرّاء، خلا بعض الأسماء التي تتكرّر باستمرار، مثل ياسمينة خضراء، بوعلام صنصال أو الطاهر بن جلون، بينما يقبل القرّاء الفرنسيون بنهم على قراءة الروايات الأميركية لكتّاب مثل هارلين كوبن، جيمس إيلوري، مايكل كونلي، ريتشارد فورد، وغيرهم الذين أصبحوا ظاهرة حقيقية. كما أن الآداب الإسكندنافية تجد طريقها إلى قلوب الفرنسيين، حيث يعدّ ستيغ لارسن صاحب رواية "ميلينيوم" عرّابها الرئيسي. 
ومن بين الأسماء المغاربية الفرانكوفونية، ربّما يحوز ياسمينة خضراء اهتماماً مختلفاً، ففي روايته "ليلة الرئيس الأخيرة" الصادرة عن منشورات جوليار، يتسلّل إلى دماغ العقيد معمّر القذافي، ليحكي عن جنونه وهلوساته. وينطبق الأمر أيضًا على روبير سوليه، الذي سيصدر رواية بعنوان "فندق مهرجان". 
وليس هذا الترجيح بعيداً عن الواقعية، ذلك لأن السياسة نجحت على ما يبدو في اقتحام الأدب والثقافة وعالميهما، فمنذ أزيد من عقد، تحوّل التطرّف وبكل أطيافه إلى مادّة روائية وسينمائية. وبعد أحداث السابع من يناير/ كانون الثاني المنصرم، وفي إثر الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو"، ازدادت مخيلة بعض الروائيين "خصوبة"، لتولّد عوالم خرافية، كما في رواية رومان بويرتولا، "يحيا الإمبراطور"، الذي تخيّل عودة الإمبراطور نابليون لإنقاذ فرنسا من تهديدات الجهاديين. أمّا جوليان سودو فاختار في روايته، "الفرنسي"، الصادرة عن دار روبير لافون، شخصية رجل فرنسي ملّ روتين حياته في النورماندي، وأصيب بالسأم منها، فهجرها مفضلًا الالتحاق بأحد معاقل الجهاد في سورية. الإرهاب حاضر أيضًا في رواية حفيظ عكون، "إن ف"، حيث يروي قصّة أحد تلامذته ذي الأصول المغاربية، الذي يعود إلى الاستنجاد بأفكار آن فرانك بعد أن ارتكب عملية إرهابية، ومن خلال أفكار فرانك، يطرح أسئلة وجودية تتعلّق بشبابه وموهبته وكيانه ككل. 
حصّة الروايات العربية المترجمة إلى لغة موليير قليلة جدًا لهذا الموسم الأدبي، ومنها "حي الأميركان" للروائي اللبناني جبور الدويهي، الصادرة عن منشورات آكت سود بترجمة ستيفاني دوجول، التي ترجمت سابقًا لكتّاب عرب، مثل حنان الشيخ وصموئيل شمعون ومصطفى خليفة وعدنية شبلي وغيرهم. وتصدر كذلك عن دار نشر ستوك رواية الكاتبة السورية سمر يزبك بعنوان "بوّابات العدم"، بترجمة رانيا سمارة. وعلى الرغم من جودة هذه الأعمال الروائية، إلا أنها في ميزان النقد الفرنسي لا تحظى باهتمام مناسب، فضلًا عن أن أرقام مبيعاتها لن تتجاوز ألفي نسخة، وهو رقم لا يبدو كبيرًا مقارنة بأعمال روائية لآداب غير عربية مترجمة إلى لغة موليير.

المساهمون