المكتبات العامة في الأردن: سؤال الإغلاق

المكتبات العامة في الأردن: سؤال الإغلاق

22 يونيو 2020
(مكتبة الحسين بن طلال في "جامعة البرموك")
+ الخط -
مع عودة معظم المؤسسات العامة والخاصة في الأردن للعمل نهاية الشهر الماضي، بعد إغلاقها ضمن الإجراءات الرسمية لمواجهة جائحة كورونا، لم تُفتح المكتبات العامة وهيئات ثقافية أخرى صنّفتها الحكومة ضمن قطاعات تستوجب تحسنّاً أكبر في مواجهة الفيروس، حتى تستعيد نشاطها المعتاد.

العديد من الناشطين عبّر عن استنكارهم على وسائط التواصل الاجتماعي من استمرار "معاقبة" القرّاء، فيما يُسمح للمقاهي والمطاعم استقبال زبائنها، منوّهين إلى انطباع سلبي يعكسه إغلاق هذه المكتبات التي كان كثير منها مهجوراً في وقت سابق، وكأنه إقرار ضمني بعدم الحاجة إليها.

على صفحتها في "فيسبوك"، عبّرت فالنتينا قسيسية، الرئيسة التنفيذية لـ"مؤسسة عبد الحميد شومان" المسؤولة عن احدى المكتبات الكبرى في عمّان، عن استيائها من مواصلة الإغلاق رغم تجهيز المكتبة وتعقيمها، وأخذ إجراءات السلامة العامة المطلوبة من قبل الجهات الصحية المختصة، وإرسال كتب رسمية من أجل إعادة فتحها، قبل أن تتمكّن أمس الأحد فقط من الحصول على موافقة تسمح لها استقبال الزوّار.

في حديثه إلى "العربي الجديد"، أوضح الأكاديمي والباحث عمر الغول، مدير مكتبة الحسين بن طلال بـ"جامعة اليرموك"؛ ثاني أكبر الجامعات الأردنية، بأن فتح المكتبات الجامعية مرهون بتعليق الدراسة كونها تقع داخل الحرم الجامعي الذي تمّ إغلاقه بأمر الدفاع الذي أصدرته الحكومة في آذار/ مارس الماضي.

ونبّه إلى أن "تقديم خدمة قواعد البيانات ظلّت متاحة للطلبة، والتي توفّر اشتراكاً بملايين الدراسات والأبحاث حول العالم في مجالات معرفية متعدّدة، كما خاطبت المكتبة شركات مزوّدة لقواعد بيانات لم يجر الاشتراك بها مسبقاً، وأجازت الاستفادة من بياناتها لفترة مؤقتة".

كذلك قامت المكتبة حصراً عن دون جامعات أخرى، بحسب الغول، بإنشاء مكتب مساعدة عبر البريد الإلكتروني لمساعدة كلّ شخص لم يتمكّن من إيجاد ضالّته عبر بحثه في قواعد البيانات، مضيفاً "ابتدعنا نظام الإعارة عن بعد أيضاً، بحيث يتمكّن الطالب طلب الكتب التي يريدها إلكترونياً، لتسلّم له عند بوابة الجامعة، وتستمر هذه الخدمة يومياً، ولم يتعثر طلب استعارة واحد".

وبيّن أن قرار وزارة التعليم العالي يقضي بالتحاق طلبة الدراسات العليا والسنتين الأخيريتين في كلية الطب والمسجلين في مساقات عملية، بدراستهم خلال الفصل الصيفي الذي يبدأ في الخامس من الشهر المقبل، ما يعني السماح لهؤلاء الطلبة بدخول المكتبة.

"نتفهم وجود الجائحة وهناك ظروف الاستثنائية ونحاول أن نصنع خلالها أفضل ما يمكن عمله، لكن العودة إلى العمل الجامعي بطيئة في وحدات أخرى"، موضحاً أن "ضرراً نجم عن الإغلاق بشكل مؤكّد حيث لم نستطع أن تستقبل المكتبة سبعة آلاف طالب، معدّل الزيارات اليومية لها، وقد شكا كثير منهم من الإغلاق. لكن بالمقابل تم الاستفادة من ظروف الغلق بإنجاز مهمات فنية متراكمة منذ سنوات مثل أعمال الصيانة، وإعادة مراجعة البيانات الإلكترونية ومطابقتها مع ما هو موجود على الأرفف، وهو من شأنه رفع مستوى الخدمة المكتبية ولو بشكل غير مباشر".

وتابع "ليس من الإنصاف القول إن الإغلاق التام كان خاطئاً اليوم، ما دامت الجهات التي تمتلك قدراً أكبر من البيانات قررت إغلاق المكتبات. لكن، لا أرى اليوم ما يمنع الآن من فتح المكتبات العامة ومراعاة الإجراءات الاحترازية، فإغلاقها يوحي للناس أنه يمكن الاستغناء عنها، وهي إشارة غير صحية".

يختم الغول بالقول "حولنا المكتبة إلى فضاء يمكن للطالب قضاء وقت إيجابي فيه غير المطالعة، حيث بدأنا سلسلة محاضرات في مواضيع متعدّدة، فلسفة العلم وتاريخه، والأنثربولوجيا، وشرق وغرب، ولكن الجائحة عطلّتها، وتمّ الاستمرار بأنشطة أخرى افتراضياً منها عرض فيلمين أسبوعياً بالتعاون مع "الهيئة الملكية للأفلام"، وجلسات نادي الكتاب، ونادي القراء والقارئات الموجّه لطلبة المدارس".

وكانت "اللجنة الوطنية للأوبئة" قد أعلنت أمس عن توصيتها بعودة عدد من المؤسسات الثقافية للعمل ومنها المكتبات العامة، والتي يرى البعض أنها جاءت متأخرة نسبياً، حيث أعلن وزير الثقافة باسم الطويسي أن "تجربة المساجد والتزام المواطنين دفعتنا بالتنسيب لفتح بعض القطاعات الثقافية".

أما ثامر الشوبكي، مدير المكتبات في "أمانة عمّان الكبرى"، فأكّد في حديثه إلى "العربي الجديد" أنه "يتوقع عودة مكتبات الأمانة لاستقبال الزوار بداية الشهر المقبل، لكن ذلك مرتبط بقرار حكومي"، موضحّاً أن "الإغلاق تسبّب بضرر للقراء الذين كان ينتظم خمسون منهم في زيارة المكتبة الرئيسية يومياً".

وبسبب التأخر في أعمال الحوسبة، يشير إلى أنه "لم تقدّم خدمات في جميع فروع مكتبات الأمانة التي تصل إلى اثنين وثلاثين فرعاً موزّعة في جميع مناطق العاصمة، حيث سيتمّ إطلاق موقع إلكتروني قريباً وتشغل أنظمة رقمية حيث لم تعد الأنظمة القديمة مجدية في مجال البحث المحوسب، ما يوفّر قاعدة بيانات لجميع العناوين الموجودة".

مع توقّعات رسمية بموجة ثانية من فيروس "كوفيد – 19" التي قد تعصف بالأردن بداية الخريف المقبل، يظلّ السؤال قائماً حول قدرة المكتبات العامة الوصول إلى القراء في ظلّ عقبات لوجستية وفنية لم تسع بعضها إلى تجاوزها رغم وجود إمكانيات لذلك، إلا إذا كان هناك اعتقاد بأن القراءة مجرّد رفاهية ولا دور لها في تنمية الدولة والمجتمع وتحديثهما.

المساهمون