المعركة الخاسرة

المعركة الخاسرة

12 يناير 2016
أعمارنا التي لا تكفي حتى لإضاعة الوقت نفسه (Getty)
+ الخط -

الساعة الآن الواحدة والنصف ظهراً. العاصفة مستمرة. ضوء النهار سيصمد، في أقصى جهده، حتى الرابعة والنصف. لن تتمكن من إنجاز ما هو مطلوب منك. ليس لديك أكثر من ثلاث ساعات. التخطيط وحده يتطلّب أكثر منها. ستترك المسألة برمّتها إلى يوم آخر. لكن، متى يأتي ذلك اليوم وأنت لا تملك أكثر من يوم إجازة أسبوعي واحد؟ نهار الصيف أطول.

ها هو الصيف. الساعة الآن الواحدة والنصف ظهراً. الأجواء جحيم مفتوح من أعلى وأسفل. الأرض تحترق بذاتها. لعنة الضوء مستمرة حتى الثامنة مساءً. لا تطيق أيّ عمل. كلّ همّك أن تأخذ نفساً، لا من أسبوع حافل في وظيفتك فحسب، بل أيّ ذرّة أوكسجين في هذه الجو الخانق. تغيب الكهرباء وتنقطع المياه وتُسرق المساحات العامة من بحر ونهر، أو تُلوَّث. ستترك المسألة مجدداً إلى يوم آخر.

الوقت يمضي. الساعات سريعة جداً. تلاحظ سرعتها مهما زعمت أحياناً أنّها كانت بطيئة. هي تمضي بوتيرة لا تخرج عن سكّتها أبداً. لكنّها مجرد تمثيل مشاهَد ملحوظ في الحائط والهاتف واليد والتنبيهات المتواصلة في العديد من الوسائل والوسائط التي تستخدمها كلّ يوم. تمثيل لأيام تمضي بما فيها.. بل أسابيع وشهور... بل هي سنوات.

قبل عشر سنوات كنتَ هناك، شاباً واثقاً. تحاول أن تغازل أجمل صبية صادفتها. هل ستغازلها اليوم لو صادفتها؟ ربما نعم. ربما لا. لكنّ جمالها يرتبط بتلك اللحظة بالذات وما سبقها ولحقها. هي مسألة وقت. لحظة ترتبط بتلك الأغنية وفتاتها التي "عيونها بحرا أماني، وخدودها عسل ونار". وتلك الشجرة التي تتعرى كلّ شتاء حتى تبدو ميتة تنتظر الدفن، فتعود فجأة بأخضرها وأحمرها كأنّها عروس شذّت عن ارتداء أبيضها الذي تعرف أنّك تكرهه، وارتدت من أجلك أجمل لونين. هما الأحمر والأخضر وهي تجلس على مقعد خشبي تحتهما بشالها الملون الخفيف تودع به الشتاء وتخفي عنقاً تهيم خلاياك بشمّه وارتشافه، كوحي أنزل لك وحدك، فلا تدعو إليه، وتكره أن يشاركك أحد فيه.

تلك الصورة قبل عشر سنوات بالضبط. هو وقت طويل بالنسبة لمعدل أعمارنا. أعمارنا التي لا تكفي للفكر والقلب والعمل والترحال والراحة والمسؤوليات المتراكمة يوماً بعد يوم. أعمارنا التي لا تكفي حتى لإضاعة الوقت نفسه.
تلك عشر سنوات تعبر من دون أن تشعر بها. لكنّها تظهر في هيئتك الخارجية. وتظهر في اشتعالك الداخلي الذي ينتظر الاستسلام. أو استسلامك الذي ينتظر صاعقاً يقلب ما أنت فيه، ويركلك إلى تلك اللحظة نفسها قبل عشر سنوات. فما أنت فاعل عندها؟ لا تشغل فكرك كثيراً، ستكون تجربة مستنسخة تماماً، بأدق تفاصيلها، فالوقت بتاريخه ومستقبله يحكمان.

اقرأ أيضاً: نعمة اليأس

دلالات

المساهمون