المظلوم إلى النيابة

المظلوم إلى النيابة

11 ابريل 2015
+ الخط -
أطل علينا، أخيراً، مساعد وزير الداخلية المصري، في اتصال هاتفي مع إعلامية من الأذرع الإعلامية المتمركزة في بؤرة مدينة الإنتاج الإعلامي، والمنتشرة على قنوات التلفزة المختلفة، لتسبّح بحمد النظام وتبرّر له أفعاله، أطل علينا من خلال هذه النافذة، لكي يبشرنا بما خفي عنا، ويخبرنا بما جهلناه، وليعلنها بكل صراحة وبكل قوة (لا يوجد تعذيب في السجون). وكأننا في عالم آخر غير الذي نحياه، ولا يجوز لنا أن ننكر كلام المسؤول، فهو الصادق في ما يقول، والأعلم بما يحدث.
علينا أن نصدّق مساعد الوزير في ادعائه، وننسى أو نتناسى عشرات المعتقلين الذين ماتوا داخل المعتقلات، بسبب الإهمال الطبي، لأن هذا الإهمال من الأساس ليس جريمة، ولا تعذيبا بل هو أعلى درجات الرحمة في مصرنا الحانية على أولادها.
علينا أن نصدّق مساعد الوزير، وننسى أو نتناسى الذين فاضت روحهم، متناغمة مع آهات الوجع وأنّاته الناتجة من صعقات الكهرباء والضرب، بكل صوره وأشكاله. بل إننا لا يمكننا أن نكذّب مساعد الوزير، في قوله عن عدم وجود تعذيب، لمجرد وجود تحرش كلامي، وربما جسدي، ويصل، أحياناً، إلى تحرش جنسي للمعتقلين والمعتقلات السياسيين، سواء تم بواسطة أفراد الشرطة، أو بواسطة جنائيين مُكلفين من أفراد الشرطة.
أنت لن تستطيع أن تكذّب الوزير في تصريحه، حتى لو علمتَ أن في السجون المصرية بعض الزنازين الميت فيها أكرم من الحي، لأن الحي لا يستطيع أن يتقابل مع الأرض بجسمه كله، كما يفعل الميت، بل الحي راحتُه في النوم واقفا.
بالفعل، لا يوجد تعذيب داخل السجون، لأن الأشياء تتضح من اختلافها، فإذا وُجد شيء أبيض، ودخلت عليه نقطة سوداء، ظهرت ووضحت، أما إذا كان قماش أسود، ووضعت عليه نقطة سوداء، فهي لن تغير من لونه شيئا. وكذلك السجون المصرية، من كثرة سوادها، أصبحت لا تأبه بأي نقطة سوداء، تُضاف إليها من تعذيب أو سحل أو قتل.
الاعتقال يتم بوحشية، عن طريق تكسير البيوت وترويع أهلها، أو من الشارع بلا جُرم، والتحقيق يتم تحت ضغط وإهانة، وأحيانا ضرب، ثم الإقامة في السجن، وتجد فيها التضييق من إدارة السجن في الزيارات الموسمية، وتضييق من الجنائيين المتعايشين معك في الزنزانة، وحتى عند إخلاء سبيلك، تجد تعنُتاً في الإجراءات، الأمر الذي قد يطيل فترة حبسك يومين، أو ربما لأسبوع.
كل هذا أظنه لن يتغير كثيراً، سواء بتعذيب أو بغيره.
وفي تكملة تصريحه ما يثير الدهشة والعجب. يقول سيادته إن هدف الشرطة ومجلس حقوق الإنسان واحد، وهذا ما يجعلني أثق في مجلس حقوق الإنسان الذي وظيفته في كل الدول، ماعدا مصر، أن يتابع حقوق الإنسان، وأن يكون خصماً لأجهزة الدولة، لا أن يكون متوافقا مع أهدافها، ويعمل تحت مظلته، وبمقتضى أوامرها، فمجلس حقوق الإنسان في مصر، وفقا لهذا التصريح، لا يعدو كونه مكتب سكرتارية داخل مبنى وزارة الداخلية. واختتم مساعد وزير الداخلية تصريحه "من لديه دليل، أو شكوى، فليتقدم بها إلى النائب العام"، وكأنه نسي أن يكمل "فليتقدم إلى النائب العام الذي يتفق، هو الآخر، معنا في الهدف".
فكرة أن أشتكيك إلى شريكك من السخافة بمكان بما لا يقبلها الأطفال. ولكن، لأن مساعد الوزير أدرى منا جميعا، يجب أن نطيع أوامره، وعلى من يصيبه أذى، أو تعذيب، في السجون، أن يتقدم ببلاغ للنائب العام، إذا كان مقتدرا على تحمّل تبعات هذا البلاغ وعواقبه عليه.
تصريح إعلامي من وزارة الداخلية مفاده: يبقى الوضع على ما هو عليه من التعذيب والسحل والإهانة، وعلى المتضرر اللجوء إلى النيابة، لو كان رجلا.
32C28B34-F62F-4803-B2F5-AA8B5E66EEA2
32C28B34-F62F-4803-B2F5-AA8B5E66EEA2
إسلام فتحي (مصر)
إسلام فتحي (مصر)