المصالح الاقتصادية أولاً

المصالح الاقتصادية أولاً

29 يونيو 2019
البضائع الإيرانية تغرق سورية (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -


على الرغم من كل الجرائم التي ارتكبتها إيران ومليشياتها بحق السوريين منذ بداية الثورة، والمجازر بحق الحاضنة الشعبية للمعارضة، من خلال إدارة عمليات التهجير القسري لقسم منهم، عدا عن تدمير بيوتهم والبنى التحتية لمناطقهم، وعلى الرغم من كل الاستفزازات التي تدفع إيران قوات النظام السوري للقيام بها ضد تركيا من خلال تحريضه على ضرب نقاط المراقبة التركية جنوب إدلب ومحاولاتها المتكررة لإفشال مسار أستانة، إلا أن سكان بعض مناطق المعارضة في الشمال السوري يعيدون الآن بناء بيوتهم بأسمنت وحديد إيرانيين. كما أن قسماً كبيراً من السلع الغذائية التي يستهلكونها هي سلع إيرانية، يتم استيرادها عبر تجار محسوبين على المعارضة، وعبر الأراضي التركية ومن خلال شركات مرخّصة في تركيا، البلد الذي يتعرض للابتزاز الإيراني، من دون أن يكون لدى سكان تلك المناطق التي يُقتل أبناؤها على يد الإيرانيين حتى خيار مقاطعة تلك البضائع التي يشعرون أثناء شرائها بأنهم يساهمون بشكل غير مباشر بتمويل عدوهم.

فمع بداية استيراد السلع الغذائية الإيرانية وإغراق أسواق شمال سورية بها، كان التجار يبررون للمواطنين ذلك بأن من يصنع تلك السلع هم صناعيون إيرانيون يتعرضون لذات الظلم الذي يتعرض له السوريون من قبل النظام الإيراني المستبد. وعلى الرغم من عدم الاقتناع بهذا التبرير، إلا أن مواطني الشمال السوري كانوا يتبنونه بحكم الحاجة وبسبب رخص أسعار تلك البضائع، ليتحوّل الشمال السوري إلى سوق كبير لترويجها. ومع اعتياد السكان على استهلاك السلع الإيرانية التي ينتجها القطاع الخاص في إيران، بدأ التجار باستيراد سلع من إنتاج الحكومة الإيرانية، مثل الحديد والإسمنت، تلك السلع التي بدأت تلقى رواجاً في أسواق شمال سورية من دون أي تبرير، ليساهم التجار في مناطق المعارضة وعبر تركيا في تخفيف الحصار الاقتصادي المفروض على إيران.

يُثبت هذا الأمر مجدداً أن المصلحة الاقتصادية حتى أثناء الحروب هي فوق كل المصالح، وحين تلتقي المصالح الاقتصادية حتى بين أطراف الصراع، فإنها تأخذ الأولوية على الأبعاد الأخرى مهما بلغت حدة الصراع بين الأطراف التي تلتقي اقتصادياً. ففي الوقت الذي كان فيه الصراع على أشده بين أكثر من خمس جهات متصارعة في ما بينها، كانت العلاقات الاقتصادية في أوج ازدهارها بين كل أطراف الصراع، فتنظيم "داعش" كان يزوّد النظام بالنفط، و"جبهة النصرة" كانت تزوده بالبضائع التركية، والنظام كان يزود المعارضة بالغاز والسكر، فيما "قوات سورية الديمقراطية" كانت تقوم بكل أنواع المبادلات التجارية مع كل الأطراف التي تتصارع معها، الأمر الذي يجعل من انتشار السلع الإيرانية أمراً غير مستغرب على الرغم من عدم منطقيته.

المساهمون