اللبنانيون والعرب

اللبنانيون والعرب

02 مارس 2016
ينظّر البعض بالانتماء لمشرقية عربية (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -
مع اشتداد الصراع السعودي ــ الإيراني، وانعكاساته على لبنان، أعلن عدد من اللبنانيين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أنهم ليسوا عرباً. هذا الخطاب ليس جديداً، إذ سبق لليمين المسيحي أن تبناه شعاراً، مفاضلاً بين "الانتماء الفينيقي والعربي"، بهدف القول إن الغرب أقرب للبنان من العرب. لكن المفعول السياسي لهذا الخطاب انتهى في الحرب الأهليّة والمرحلة التي تلتها، مع خسارة الطرف الذي كان يتبناه. اليوم، يُرفع هذا الخطاب في أوساط فريق سياسي، يُهيمن على لبنان. 
ويأتي في سياق سعي هذا الفريق للقول إنه ينتمي لمشرقية عربية يجري التنظير لها منذ سنوات. يقوم جوهر هذه "المشرقية" على فكرتين: الأولى تحالف الأقليات، والثانية الحيّز الجغرافي الممتد من العراق إلى سورية ولبنان، ويجري ضمّ فلسطين (وحكماً الأردن) لها، على سبيل الإبقاء على استخدام ورقة القضية الفلسطينيّة.  يتم إسقاط إيران من هذا الحيّز الجغرافي المستحدث، وهو إسقاط يهدف إلى إبعاد "شبهة" الانتماء إلى المحور الإيراني في المنطقة.

الحديث عن هذه "المشرقيّة" ليس بجديد. سبق لكثير من الساسة المرتبطين بالمحور الإيراني أن أشاروا إليها، ورددوا في جلسات خاصّة، أنها تُنهي فكرة "الأكثرية السنية"، لصالح تحالف أقليات، يبدو فيه أقليّة ضعيفة ومستهدفة. بقي هذا النقاش حبيس الصالونات السياسيّة، وصفحات الرأي في صحف هذا الفريق، إلى أن جرى تعميمه عبر عنصرية مقززة بعد الإجراءات الخليجيّة في لبنان. فبعد وقف الهبة السعوديّة ودعوة دول مجلس التعاون الخليجي رعاياها إلى مغادرة لبنان، انتشر خطاب يقول إنّ الخليجيين ليسوا عرباً، وإنّ هناك "تفوقا" لبنانيا عليهم.
وربطوا هذا "التفوق" بقضايا اقتصاديّة واجتماعيّة وتداول السلطة. لكن مقارنة سريعة تُسقط هذه الفكرة من جذورها. فلبنان، دولة فاشلة بكل المقاييس، وهي تعاني من صعوبات كبيرة في تداول السلطة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ويُنتهك القانون فيها بشكلٍ يومي، ويتوارث سياسيوها السلطة من آل الحريري إلى آل الجميل وآل جنبلاط وآل فرنجية وغيرهم. وأخيراً خرج لنا جواد حسن نصر الله، كوريث من نوع آخر. كل شيء يخلص إلى مقولة كارل ماركس: "إن التاريخ يعيد نفسه مرتين، لكنه يحدث في الأولى كمأساة وفي الثانية كملهاة".