الكرنفال الصامت

الكرنفال الصامت

05 أكتوبر 2017
("سوق" لـ عبد العزيز الهويناتي)
+ الخط -

من أعلى الجبل
تبدو الأشياء والعناصر صريحة كالموت
شفّافة كألبوم ذكريات
دقيقة كملامح الجدّات
البيوت صغيرة ومتكوّمة
كأيتامٍ في العيد،
على العتبات عجائز يغزلن الألم
فوق ألواح خشبيّة
الأطفال يملأون جيوب النّهار
بمطاردة الشيطان وتشتيت شمل الكلاب
فيما النّهر يواصل عزمه وسط الأحجار
غير عابئٍ بحقول البرتقال،
الرجال يفسحون للماء بالمعاول
ليصل إلى الأشجار التي تبدو من علٍ صغيرة وكثيفة
كحبّات قرنبيط.
سريعا مرّ الأجداد
واندّسوا في جحور القبور كأرانب وديعةٍ
باحثين عن مناجل الموز
وسط عرَصات الله
بلا ضجيج ولا أفكار حتّى.
سريعا مرّت الجدّات
متكئات على عصيّ يابسة
في كرنفال حزين
وأطياف جنودٍ ماتوا في الصحراء
قبل أن تصل رسائلهم الأخيرة إلى القرية.
سريعاً سقطت الأشجار على وجهها
وغدت حطباً يابساً لرعاةٍ
يتلمّسون الدفء لأصابع مخدوشةٍ
بجلاليبهم الغليظة
وأحذية البلاستيك الممتدّة إلى الركبتين
سريعا كبرنا في المرآة
ونبتَ زغب خفيف في وجوهنا
وصارت أكتافنا صالحة للعناق
وللخيانة أيضا.
أوغلنا في الغيّاب
حتّى تشابهت علينا طرق العودة
وجلسنا على كنبات الليل
نقاوم سقوط دموع رقراقة.
من أعلى الجبل
رأيتُ العاطلين يمسحون وجه النهار
قرب حوانيت صغيرة
ومتقاعدي الجيش يزجّون الوقت
بالسّعال ولعبة الورق نكاية بالجنديّ القديم.
رأيتُ عمّال الأرض
بفؤوس ومعاول على الأكتاف
وربطات نعناع ذابلة في الأيدي
فيما الخير والشّر
يسيران جنباً إلى جنب كصديقين حميمين
حتّى إذا طال المسير
خرّ الشر مهزوماً كقط
وهمّ الخير واقفاً كسارية.
رأيت الصدق والكذب ينحدران في اتّجاه الوادي
بأصابع متشابكة كعاشقين
حتّى إذا وصلا إلى الماء
تقطّع حبل الكذب القصير
وقفل الصدق راجعاً لا يلوي على فكرةٍ.
رأيت الحقّ جالساً فوق كرسيّ
ينظر شزراً إلى الباطل الذي يشرب حساءَ المساء
في جماجم الفقراء.
رأيتُ الجنّة بسلّات تينٍ وأجّاص
وجهنّم بلسان أحمر وجثث متفحّمة.
رأيت الحزن يعود وحيدا
في الليلة المطيرة
مدندناً باسم امرأة مجهولة
والسّعادة مغروسة في خدود العرائس
وتاريخ الأمراء.
رأيت الشرق بأرواح شريرة
ومجامر تتصاعد منها أبخرة صنادل محروقة
والغرب بقطارات مسعورة وأظافر نسرٍ.
رأيت اللّيل شامخاً
يرشق رأس النهار بكريات سوداء
والنّهار صامتاً يحمل ألماً في الظَهر والمعدة.
رأيت الموتى يخرجون تباعاً في اللّيل
يتبضّعون من الأسواق
يشربون قهوة على عجلٍ
ويعودون إلى أقبيتهم كعسسٍ أوفياء
بتواضع الكبار
وبلا حوادث سيرٍ تقريباً،
عبثاً يعترض الأحياء طريقهم بالسكاكين والهراوات.
رأيتُ الشعراء بدواوين يعلوها الغبار
في الأكشاك
وقصائدي الطائشة تذهب إلى الجيران
النائمين بهدوء الموتى،
رسّامين بأصابع مطليّة بالأصباغ
ولوحات رماديّة بعدد النجوم،
فلاسفة بأفكارٍ محيّرة
وأصابع فوق الذقون دلالة على عمق التفكير.
رأيت الحاكم مذعوراً في الليل
تتقاذفه الكوابيس ودماء الثورات
والفلاح وقد هوى بجسده
فوق كيسٍ تبنٍ
ونام محروساً بالتعب والنجوم الفقيرة.



* شاعر من المغرب

دلالات

المساهمون