الفن السوري الممل

الفن السوري الممل

10 نوفمبر 2016
فاتح المدرّس / سورية
+ الخط -

تعودنا في المدارس الابتدائية وحتى الثانوية على حضور الكثير من الحصص المدرسية الفنية من رسم وموسيقى. غالبًا، ينقسم التلاميذ في ردود أفعالهم حول حضورهم لمثل هذه الحصص، فمنهم من يشعر بالسعادة لتخلصه من حصص الدراسة الجادة وحصولهم أخيرًا على حصة "فراغ" حيث يلهون ويلعبون خلال هذه الساعة، ومنهم من يشعر بالملل قبل أن تبدأ الحصة حتى.

يعتمد الأمر على نوع المدرّس الذي سيدرّسهم في هذه الساعة. فإن استبدل المدرّس هذه الحصة بشكل أوتوماتيكي إلى ساعة للعب والترفيه الحر "بعيدًا عن موضوع الحصة"، سيكون ذلك نعمة للطلاب، وفق وجهة نظرهم. أمّا إن كان المدرّس يصر على تعليم الأطفال الرسم على سبيل المثال، فستكون هذه هي الطامة الكبرى؛ لأن الملل سيسيطر على طول مدة الساعة هذه.

ولكن أليس من الغريب أن يشعر الإنسان بالملل والضجر عند تعلمه الفن بغض النظر عن نوع الفن الذي يتعلمه؟ وأن يكون هذا الملل هو حالة عامة في المجتمع؟

الرسم بشكل خاص، من أكثر الحصص مللًا. في كلّ حصة، يُطلب من الأطفال رسم شيء محدد، وسيكون حظ الأطفال عاليًا جدًا إن كان هناك موضوع واحد مختلف للرسم خلال العام الدراسي، حيث أن العلم السوري وصحن الفاكهة هما من أكثر مواضيع الرسم التي يطلبها المدرّسون من تلاميذهم، من دون العمل على تعليم الأطفال الرسم بحد ذاته، حتى ضمن نطاق هذين الموضوعين.

في حصص الموسيقى، يكون الحال كما هو عليه في حصص الرسم، ولكن لنقل إنّه أقل مللًا، فالمدرّس يسأل التلاميذ من يمكنه الغناء لنا اليوم؟ وترفع الأيدي، ويقوم التلاميذ الصغار بغناء أغاني قناة "طيور الجنة"، أما الأكبر قليلًا فستكون اختياراتهم لنانسي عجرم في أفضل الأحوال. بذلك، يتم اختصار معنى الموسيقى بأكمله ضمن هذا النطاق.

في الواقع، حال المدرّسين ليس أفضل من حال تلاميذهم. فمدرسو الرسم والموسيقى في سورية هم أفراد تجاوزوا البكالوريا ضمن علامات منخفضة للغاية. وبسبب الرغبة في الحصول على أي شهادة بغية إيجاد عمل في ما بعد، يقبلون بالدخول إلى معاهد الرسم والموسيقى على مضض.

التعويض الذي ينتظره كافة طلاب هذه المعاهد هو الحصول على توظيف في المدارس، وبذلك سيقضون حياتهم في عمل "سهل" لن يحتاجوا فيه إلى الكثير من الجهد، فحصص الرسم والموسيقى غير مهمة في نظر الجميع. لذا ليست هناك أية مساءلة حول مواضيع الحصص. طبعًا، هذا كلّه دون أن نتناول طريقة تعامل الأساتذة مع الطلاب والتي تكون كفيلة بقتل أي دافع بتعلم أي مادة من قبل أي طالب.

ورغم أنّ مدرّسي الفنون ليسوا مختلفين عن باقي مدرّسي المواد الأخرى، فهذه هي حال جميع المدرّسين السوريين، إلاّ أن مدرّسي الرسم والموسيقى هم المحظوظون والمحسودون دائمًا من بين مدرّسي كافة المواد الأخرى على "عملهم السهل".

يكفي أن يتم طرح الفنون ضمن المدارس بهذا الشكل، ليتم زرع الأفكار المطلوبة بطريقة غير مباشرة في عقول التلاميذ. فالرسم لن يتجاوز رسم العلم السوري وصحن الفاكهة، والموسيقى ليست إلا أغاني طيور الجنة ونانسي عجرم. ولن يكون هذا الأمر ممتعًا لأي إنسان طبعًا.

خلال العقود التي حكم فيها نظام الأسد سورية، عمل على قتل الفن بمعنى الكلمة، وما قد ذُكر حول المدارس ليس أكثر من مثال حول ما يقدمه هذا النظام للفن. فالفن ليس مرحبًا به ضمن سورية الأسد، حيث أنّه قادر على إعلاء الحس الإنساني والوعي والمعرفة لدى الإنسان، وهذا ما لا يريده أي نظام ديكتاتوري على الإطلاق.

طبعًا، لم تقتصر عملية القتل هذه على المدارس والمدرّسين فقط، وإنّما تجاوزت ذلك إلى كافة المؤسسات والنقابات التي تهتم بالفن، حيث لم تكن هناك أية مؤسسة أو نقابة تسعى حقًا إلى تطوير الفن في سورية، بل على العكس تمامًا، يجري استكمال ما يطبق في المدارس.

عدا عن أنّ الانغماس في طبيعة الحياة، التي فرضها النظام السوري على المجتمع، لن يتيح إمكانية التفكير أو السعي الشخصي وراء تطوير أو توسيع أو تصحيح الرؤية للفن. فلا يمكننا إغفال حقيقة أنّ الإنسان السوري ما قبل الثورة كانت جل أمنياته هي الحصول على عمل، أي عمل يكفل له طعامه ومسكنه هو وأطفاله لا غير. ذلك لأنّ هذا هو الأمر الوحيد المتاح أمامه كي يستطيع أن يحيا حياة جيّدة "بدون وجع راس".

المساهمون