الغناء للأنظمة :التاريخ لا ينسى السياسة

الغناء للأنظمة :التاريخ لا ينسى السياسة

10 مارس 2016
أصالة (فيسبوك)
+ الخط -
بعد أكثر من خمس سنوات، على بلوغ الثورات العربيّة حدوداً جيدة في قلب المفاهيم، والمناداة بحرية التعبير، ورغم الحروب والتهجير، تتفاوت الآراء، مُجدَّداً، حول غناء بعض الفنانين في العالم العربي للرؤساء والزعماء. وعلى الرغم من المآسي التي تعصف بشعوب المنطقة، تُطرَح علامات استفهام كبيرة حول التوجّه إلى السلطات، واستغلال هذه العلاقة التي تربط الزعيم نفسه بالفنان، والمكاسب التي يربحها الزعيم، لكنها لا تعود بالمنفعة نفسها على المغني لأسباب كثيرة.

بعد اندلاع الثورتين المصرية والسورية في عام 2011، فُتِحَت الأبواب بين السلطة والفن مجدداً، وتشكلت المواقف تجاه الفنانين، نتيجة تبجيلهم الأنظمة، فقد كانوا على قناعة كاملة بأن هذه الأنظمة السياسية باقية. علمًا أنّ هناك فنانين آخرين ابتعدوا عن الاقتراب من كلّ أشكال الأنظمة والصراعات.
لا يختلف الأمر في مصر كثيرًا عن بيروت. عدد كبير من المغنين اللبنانيين، كما المصريين، أبدوا ثقتهم بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بعيد انتخابه، ومنهم الفنان، راغب علامة. ويصرُّ عدد كبير من نجوم الغناء اللبنانيين، على المشاركة في حفلات دعم السياحة في القاهرة، وخصوصًا بعد أزمة الطائرة الروسية، ومنهم: عاصي الحلاني ونانسي عجرم وإليسا وغيرهم. لكن السؤال هو، هل اختلفت الصورة الحاليّة كثيراً عن التاريخ؟ حيث إنَّ غناء الفنانين المصريين واللبنانيين للسلطات هو أمر طبيعي ومكرّر ومعروف.

قد تكون الفنانة، فيروز، هي الوحيدة التي لم تغن للرؤساء والملوك، إذْ تفضّل الغناء للشعب والأرض. بخلاف السيدة، أم كلثوم، التي غنت للملك فاروق أغنية بعنوان "جنة الوادي" بعد توليه للعرش، واهتم الرئيس جمال عبد الناصر بها، وارتبط بها بعلاقة متينة، فكان ذلك السبب في عودة أغانيها مرة أخرى في الإذاعة، بعد أن تم منعها من الإذاعة. وبعد تنحي عبد الناصر، غنت أم كلثوم له "ابق فأنت الأمل”.

وبالنسبة للغناء للرئيس المخلوع، حسني مبارك، كانت أوبريت " طلعة جوية" و”اخترناك". واهتم مبارك ببعض المطربات والمطربين، ومنهم آمال ماهر ومحمد ثروت وهاني شاكر وعمرو دياب ولطيفة وغيرهم. ولكن علاقة الفن بالسياسة في عهد مبارك كانت شائكة، فشهد عهده مقتل الممثلة، سعاد حسني، والفنانة اللبنانية، سوزان تميم، في دبي العام 2008، وذلك بتخطيط من رجل الأعمال الذي سانده مبارك، هشام طلعت. وكانت، أيضاً، محاولة قتل الفنانة شيريهان التي باءت بالفشل.

قد تكون الفنانة السورية، أصالة نصري، الوحيدة التي اعتذرت عن غنائها لرئيس النظام السوري بشار الأسد، ومن قبل لوالده حافظ الأسد. أصالة، التي خرجت من اليوم الأول للثورة السورية، مؤيدة الحراك الشعبي، دفعت ثمنًا باهظاً من سمعتها. إذ شنّ عدد كبير من مواطنيها في سورية هجومًا عنيفا عليها، وصل إلى حد تهديدها بالقتل، ومنعها من دخول لبنان عام 2014 لأسباب سياسية، وغيرها من المشاكل، التي لا تزال قائمة، وتنتظر ما ستؤول إليه الظروف السياسية العربية نهاية المطاف. في المقابل خرجت شقيقتها، ريم نصري، والتي تختلف مع أصالة في الموقف السياسي، وذلك لتبسط جناحها بعيداً عن المعارضة السياسيّة لآل نصري ضد نظام الأسد. ريم فضلت البقاء في سورية وحدها، واختارت طريق الغناء لتنافس شقيقتها. وغنّت لرئيس النظام السوري بشار الأسد "يا سيد الأباة”. وتمّ تصوير الأغنية بدعم من النظام نفسه، الذي يحاول الانقضاض على موقف أصالة، وذلك عن طريق توظيف أختها ريم نصري لصالحه. هذا التباين، لا يحمل كثيراً من التفسيرات، والتي لا تتعدى إطار النكايات العائلية، والتي لا تكلف النظام السوري سوى مزيد من المصاريف من خزينة الشعب لدعم أغنية لريم نصري، التي ما كانت لتصدر، لولا الخلاف العائلي السياسي الخاص القائم بين أصالة وريم.

إقرأ أيضاً:الرداءة الفنية مستمرة: "نور ونار يا أسدنا"

لكن بعض الفنانين اللبنانيين، الذين أسهمت السلطة السورية في نجاحهم قبل الثورة، ابتعدوا بأنفسهم عن الصراع طيلة السنوات الخمس الماضية. صمت نجوى كرم وفارس كرم وغيرهم تجاه الأزمة السورية، وضعهم أمام دور المحايد المراقب لما ستحمِلُه نهاية هذه الأزمة. لكن في المقابل، تُحْسَب لفارس كرم، في الفترة الأخيرة، إعلانه التضامن مع زميله، فضل شاكر، الذي يعتبر رأس الحربة الفنية ضدّ النظام السوري. هذا الموقف، الذي يفسره فارس كرم بأنه إنساني فنّي سيحمل مزيداً من التفسيرات بعد انتهاء الأزمة، قد يكون كرم مستعداً لها، وذلك للحفاظ على صداقة قديمة تربطه بفضل شاكر قبل اعتزاله. لكن الفيديو الخاص بالفنان، عاصي الحلاني، قبل أيام، وغناءه لرئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريري، يطرح علامات استفهام كبيرة حول كيفيّة توظيف الحلاني فنّه لكل القوى السياسية في لبنان، المؤيدة والمعارضة منها، أي التحايل على السلطة والمعارضة. فالحلاني، وبعض زملائه، يجاهرون بتأييدهم لخط ما يسمّى بـ"المقاومة" المناهض بطبيعته لخط الرابع عشر من آذار في لبنان، والذي يمثله سعد الحريري. الفنانة اللبنانية، جوليا، توالي سياسيًا خط الممانعة بدءًا من النظام السوري، مروراً بحزب الله اللبناني. لكنها تحاول أن تحيّد فنها عن ذلك، وتختصر ذلك في أمسيات غنائية تحييها في لبنان، بحضور سياسي من الطرفين. هذا الحضور، يؤكد كيفية اتفاق السياسيين في لبنان على المواقف المؤيدة والمعارضة معاً، ويظهر مدى الهوة التي يُسْقِطُون فيها الشعب، من أجل مصالحهم الضيقة.

من هنا فقد أصبح التوجّه السياسي للفنانين العرب، وعلاقتهم بالسلطات السياسية الحاكمة، أمرًا مدروسا ودقيقًا، ليس كما كان في السابق. وذلك بسبب الرقابة الشعبية الهائلة على مواقع التواصل الاجتماعي، وترسيخ قيم الديمقراطية والحق والعدالة والوقوف إلى جانب المظلوم بعد الربيع العربي خصوصًا. فتأييد دكتاتور سياسي صار أمرًا مكلفاً ويجلب الكثير من النقد اللاذع.

إقرأ أيضاً:الأغاني الوطنية العربية.... تعالوا نودع الجيل السابق

المساهمون