العصفور الأبيض... صباح الخير (9)

العصفور الأبيض... صباح الخير (9)

02 يونيو 2020
+ الخط -
صباحٌ يحمل الأمل في يمناه والرضا في يسراه، تزدحم فيه السماء بالطير من كل جنس، وأنا أراقب مشهد الطير مستمتعاً بأشكاله وألوانه ومتمتعاً بصوته العذب المتنوع.. وإذ بعصفوري الأبيض يقترب مني هامساً: هل رأيت ما حدث بالغابة البيضاء الكبرى؟

قلت: سمعت ولم أصدق، فإن كنت قد رأيت بأم عينك، فأخبرني.

قال: رجال حاكم الغابة البيضاء الكبرى اعتدوا نقراً وضرباً وقتلاً على فصيلة من طيور غابتهم، لا لشيء إلا لأن ريشها عن لون ريش حاكمهم وجنوده يختلف.

قلت مندهشاً: أليست الغابة البيضاء هي التي تَبَاهَى حكامها على اختلاف أزمنتهم بأن غابتهم واحة للمساواة والحرية بلا قيود، بل وطالبوا بأن يطبق نهجهم عبر الحدود، وهاجموا كثيراً من الغابات الأخرى بحجة اضطهاد حكامها لبعض الطير ومخالفة العهود؟!


قال: نعم هي ذاتها الغابة البيضاء الكبرى، وأظنها لن تعد كبرى ما دامت خالفت ما كانت قد تعاهدت عليه وقام جنود حاكمها باضطهاد الطير والاعتداء عليه من أجل لون ريش أو فِكْر أو طموح لديه.

قلت: أتعني أن الحاكم إذا خالف ما تعاهد عليه مع المحكومين انهارت الغابة ولم تعد كبرى؟

قال: نعم هذا ما قصدت.

قلت: هذا يعني أن غابتكم ستنهار أكثر مما هي عليه الآن، لأن حاكمكم يفعل أكثر مما فعل حاكم الغابة البيضاء الكبرى؟

قال عصفور كبير يسمع حديثنا ويتابع حوارنا: بل ستزدهر غابتنا وتتقدم وتعلو وتأخذ مكان الغابة البيضاء الكبرى بعد انهيارها، لأن عندنا حاكماً لا يوجد مثيل له في غابة أخرى. ولديه جنود هم أفضل الجنود في الغابات كلها.

قلت: أتقصد حاكمكم الصقر؟!.. ألم يأمر جنوده فقتلوا كثيراً من الطير، وقطعوا أشجار الغابة فلم يعد لك ولأمثالك أعشاش، وجففوا البحيرة فلم يعد للبط مكان، وباعوا عنوة الشجرة العظيمة التي يمتلكها اليمام الأبيض، وقتلوا العصفور الذهبي أمام أعينكم.

قال عصفور آخر مقاطعاً: حاكمنا لم يفعل شيئاً مما ذكرته إنما فعل ذلك جنوده دون رغبة منه.

قلت: ألم يقل حاكمكم في محفل كبير وفي حضور جمع منكم إن جنوده لن يحاسبوا على شيء فعلوه أو سيفعلونه، وأنهم يفعلون ما يُؤمرون؟!

قال عصفور ثالث: إن كان قد أمرهم فمن المؤكد أن ما فعلوه كان في مصلحة الغابة وسكانها.

قال العصفور الكبير: صدقتِ أيتها العصافير فلا يوجد أعقل وأدهى وأرحم من حاكمنا الصقر.

فهتف الجميع: يحيا الصقر حاكماً لنا .. يحيا الصقر حاكماً لنا .. يحيا الصقر حاكماً لنا.
59257FF4-4542-4A2B-849A-E42302D56A06
مجدي جودة

مستشار قانونى ومحام.. لى مؤلفين بدولة قطر أولهما المحاماة بين الماضى والحاضر، والثانى القضاء بين الشريعة والقانون.أحلم بوطن يسع الجميع لا إقصاء فيه لأحد ولا تمييز لأحد على حساب أحد.