العصفور الأبيض... صباح الخير (7)

العصفور الأبيض... صباح الخير (7)

13 يناير 2019
+ الخط -
يوم غير عادي هذا الذي أمر به، فلم يكن في مخيلتي أبداً أن يحدث ما حدث سواء معي أو مع غيري في غابة يمجد أهلها حاكمها الصقر وتتعالى أصواتهم بترديد محامده ومناقبه التي يرون أنها غير موجودة عند حاكم غير حاكمهم الصقر، ولذلك فهم دائما يخافون أن تحسدهم الطيور في الغابات المجاورة لغابتهم على نعمة وجود الصقر حاكماً لهم.

جاءني العصفور الأبيض في المساء على غير العادة، حيث عادة الطيور أن تنام مبكراً، فلما رأيته تملكتني الدهشة، ولم يترك هو لي فرصة التفكير في سبب حضوره في هذا الوقت المتأخر من الليل فبادرني قائلاً: أعلم أنك تفاجأت بزيارتي في هذا الوقت غير المناسب، لكن إذا عُرف السبب بطل العجب.

قلت حائراً: نعم أنا متفاجئ ولكن ليتك تشرح لي.
قال العصفور الأبيض: هل تذكر اليمامة البيضاء التي كانت تعيش مع عائلتها من اليمام الأبيض في شجرة عظيمة على مشارف غابتنا بالقرب من الغابة المجاورة لنا.

قلت: نعم طبعاً أذكرها، أليست هي التي ورثت وعائلتها هذا العش والبيت الجميل على الشجرة العظيمة عن أجدادها من سنوات طوال، وهي التي حاولت هي وأقاربها أن يهاجروا إلى الغابات المجاورة بعد جفاف النهر وقطع الأشجار وعدم وجود الطعام بغابتكم، فخرجت عليهم جحافل جنود حاكمكم الصقر فنقروهم بمناقيرهم حتى أدموهم فمات منهم الكثير واستطاعت اليمامة البيضاء أن تصل مع بعض الناجين إلى الغابة المجاورة، وعَلِمْت بعدها أنها استقرت هناك ومازال بيت عائلتها بما فيه من أشياء ثمينة قائما على الشجرة الوحيدة التي لم يقطعها حاكمكم الصقر لما لها من ذكرى تاريخية عظيمة.

قال العصفور الأبيض: أتدري ماذا حدث لهذا البيت العظيم على الشجرة العظيمة؟! لقد استولى عليه جنود حاكمنا الصقر فباعوا أثاثه وما فيه من أشياء غالية وثمينة، ولم يكتفوا بهذا بل قاموا ببيعه لصقور من فصيلتهم ولكنهم أغراب عن غابتنا، وأصبح هؤلاء الأغراب ملاكا لبيت اليمامة البيضاء الذي ورثته عن عائلتها، وبعد أيام قليلة هدموا البيت وقطعوا الشجرة.

قلت مندهشاً وموجهاً حديثي لأم علي وعمر وقد كانت تسمع حديثنا وتتأثر بكل تفصيل فيه، وعيناها قد اغرورقتا بالدموع تأثراً، هل تتذكرين اليمامة البيضاء وبيت عائلتها؟ فقالت كيف أنسى وقد عايشتهم وكم من مرة استظليت بظل شجرتهم وسعدت بجيرتهم واستمتعت بأصواتهم.


قلت فهل يرضيك الذي صنعه هؤلاء الظلمة من جنود الحاكم الصقر بها وببيتها؟ وهل يمكن أن يفعلوا أمرا مثل هذا دون علم حاكمهم وحاكمكم الصقر؟ فعلاً من أمن العقاب أساء الأدب، ولو أن الحاكم.. لم أكمل كلامي وإذا بأم علي وعمر تنادي على ولديها علي وعمر وتتجه لحجرتهما وكأنها لم تسمع سؤالي ولم تدرك كلامي.

فقلت للعصفور الأبيض بغضب وماذا فعل حاكمكم الصقر عندما سمع بهدم البيت وقطع الشجرة؟
قال العصفور الأبيض غاضباً: وما دخل الحاكم الصقر فيما حدث؟ أنت دائماً تشير للحاكم الصقر في كل شيء يحدث دون سبب، وكأنه مسؤول عن كل ما يفعله جنوده وأتباعه دون علمه.. أرى أنك لا تحبه لذلك دائماً تلمز عليه بلسانك وتشير إليه في اتهاماتك.

قبل أن أرد على اتهام العصفور الأبيض لي، قال عصفور آخر ليت حاكمنا يعلم بما حدث حتى يعاقب من فعلها وينتقم لنا ممن تسبب في هدم ذكرياتنا مع بيت عائلة اليمامة البيضاء والشجرة الكبيرة العظيمة.

قلت: أنتم وكل سكان الغابة تعلمون تماماً أن جنود حاكمكم الصقر لا يفعلون شيئاً إلا بأمره، ولا يقدمون على أمر إلا بإذنه.

قال عصفور: إذا كان حاكمنا الصقر يعلم بما فعله جنوده وأنه هو من أمرهم بذلك كما تقول، فإن هذا معناه أن في هدم بيت عائلة اليمامة البيضاء وقطع الشجرة الكبيرة العظيمة مصلحة للغابة وسكانها.

قاطعه عصفور آخر قائلاً: أكيد الشجرة كان بها مرض يمكن أن يصيب الشجر الذي ينوي الحاكم الصقر زراعته لنا في الغابة.
قال آخر: ويمكن أن يكون البيت قد أصابه النمل الأبيض، فخاف حاكمنا الصقر أن يهوي ويقع على أولادنا وهم يمرون تحته فيقتلهم ولذلك أمر جنوده بأن يهدموه ولا يبقوا له أثرا.

قلت صارخا أيها العصافير ماذا تقولون؟ إن الذي هدم وقطع هم الصقور الأغراب الذين اشتروا البيت والشجرة من جنود.. قاطعني عصفور كبير: ومن قال لك إن جنود حاكمنا الصقر قد باعوا البيت والشجرة؟..

قلت: الصقور الأغراب من قالوا وجنود الصقر لم ينكروا بل وثقوا لهم العقود وأزالوا من أمامهم لكي يهدموا البيت ويقطعوا الشجرة كل السدود والقيود، ووضعوا لافتة باسمهم قرأها كل الجيران.. وأهل الغابة كلهم شهود، وحاكمكم الصقر وقع لهم العقد في يوم مشهود.. فهدم الأغراب البيت دون مراعاة للحقوق والتاريخ والسجلات، بل ووضع جنود حاكمكم الصقر أمام أصحاب البيت الأصليين البوابات.. فلا يدخلون إلا بالبطاقات، ولا يخرجون إلا إلى القبر بعد الممات.

قال عصفور طاعن في السن وكان صامتا طول الوقت: ماذا تريد أن تقول وإلى ماذا تلمح؟ ما أراك إلا حاقدا علينا لوجود حاكم لنا بعنايته يرعانا وبحكمته يدير غابتنا وبدهائه باع جزءا من الغابة لم يعد ينفعنا!

قلت ومتى كان بيع أجزاء من الوطن دهاء، والاستيلاء على أموال الناس حكمة، وقتل الأبرياء رحمة؟ ألا تعقلون؟!

قال واحد منهم لقد جادلتنا وأضعت وقتنا في الحديث عن بيت وشجرة.. فلتعلم أننا وإن كنا جياعا فنحن أفضل من كثير من بني جنسنا، وإن كان المرض قد تفشى فينا وطاولتنا الأوبئة فنحن أصحاء عن جيراننا، وإن كان الفقر قد انتشر في ربوع غابتنا فنحن أغنى من غيرنا.

قلت كيف هذا؟..
قال: ما دام الصقر حاكما لنا فنحن أفضل وأصح وأغنى من غيرنا.
قالت الطيور: فعلاً لقد قلت يا عصفورنا الكبير صدقاً.. فقال الجميع: يحيا الصقر حاكما لنا .. يحيا الصقر حاكما لنا... يحيا الصقر حاكما لنا.
59257FF4-4542-4A2B-849A-E42302D56A06
مجدي جودة

مستشار قانونى ومحام.. لى مؤلفين بدولة قطر أولهما المحاماة بين الماضى والحاضر، والثانى القضاء بين الشريعة والقانون.أحلم بوطن يسع الجميع لا إقصاء فيه لأحد ولا تمييز لأحد على حساب أحد.